»»
ويتجدد اللقاء مع المعين الصافي لإبداعات وإطلالات أدباء ومواهب أرض الكنانة وضيفتنا في هذه السطور الأديبة سميرة أرميا .. وننشر لها عبر هذه السطور قصتها “جيهان في سوق الفُتيان”..
“جيهان في سوق الفُتيان”
🍂
في حي السيدة زينب تسكن جيهان واليوم تستعد للسفر إلى مدينة الإسكندرية للالتحاق بكلية الدارسات الإسلامية والعربية ..
توقفت جيهان عن رص أغراضها الصغيرة والمحببة إليها وخرجت لتختلس نظرة أخيرة على بنيات الشارع الذي تقطن به، تتأمل جمال بنياته وكيف وقفت بجوار بعضها بنيانا مرصوصا مزخرفا بالنقوش القديمة، وتعجبت من نفسها كيف لم تلاحظ هذا الجمال من قبل ..
تنهدت هذه الصغيرة وفكرت ماذا تخبئ لها الأيام في المستقبل؟ وكيف ستعيش وحدها في المدينة الأكثر حراكا ورواجا بمصر بعد القاهرة الكبرى؟ وكيف ستتكيف مع رفيقات جديدات من مدن مصرية عدة بل ومن جنسيات مختلفة ؟
وقفت جيهان وطال الوقوف مع نسمات منتصف الليل في شهر سبتمبر وأفاقت من شرودها على صوت أمها تأمرها بالدخول حتي تسطيع النوم سويعات قليلة لأنها ستصلي الفجر حاضر ، ثم تكمل حفظ ما يتيسر لها من القرآن الكريم ثم الاتجاه إلى محطة مصر وركوب قطار الإسكندرية..
عادت جيهان من الشرفة وأكملت رص حاجياتها ونامت ثم قامت لتنفذ جدولها المعتاد..
وصلت جيهان الإسكندرية في ظهر الخامس عشر من سبتمبر في العام 2000 والتحقت بمبني الطالبات وصارت معها الأمور حسنا.
وكل صباح كانت تقابل مجموعة من الفتيات الأجنبيات على الدرج منهن من الهند وأفغانستان وباكستان والصين وكوريا وغيرها من البلاد..
لم تكترث يوما بهن غير إلقاء السلام لأن وجهتها كانت لأمريكا الشمالية.
وربما تجاذبت أطراف الحديث مع إحداهن على مضض على طاولة الطعام ،وربما تطرق النقاش في أحد أمور الدين أو اللغة وربما أفصحت عن بعض معلومات عن نفسها في تعرف بسيط..
تخرجت جيهان في العام2004،
وعادت إلى الحي العتيق السيدة زينب وتزوجت وبعد أربعة أعوام مات عنها زوجها وهي تحمل عبء طفلين تؤام وورثت عن زوجها الشاب محلا صغيرا لأدوات التجميل..
ذهبت لتشتري بضائع لدكانها الصغير ففوجئت بأن الأسعار مرتفعة، بعد حيرة كبيرة قررت السفر للبلد التي يستورد منها التجار الكبار.
لم تكن تعرف أي شيء في أمور التجارة والسفر وسألت وعرفت من أين تأتي البضائع أنها الصين
“الصين” تلك الكلمة التي ترجمت في عقلها إلى” بضائع مضروبة” بحسب ما ترى وتسمع من المجتمع وبحسب ما تحصل عليه من بضائع لم تزل حتي تتلف.
ماذا تفعل هذه الشابة لا مال لها ولا سند؟.
تقدمت لأحد البنوك لتقترض مائتي الف جنيها مصريا وحولتهم إلى دولار بالتزامن مع تقدمها لاستخراج جواز السفر وفي غضون الشهر حصلت على كليهما.
وسافرت إلى الصين وفي مخيلتها صورة ضبابية عن هذه البلد
كان في عمق مخيلتها أنها سترى بلدا عتيقة البنيات مهدمة الطرق ومصانع أسفل السلم وأطفال يظهر عليهم البؤس والشقاء فماذا ستكون هذه “الصين ” غيرا هذا مع مستوى الصناعة المتدني التي تأتي منها!
ركبت الطائرة وقبل إقلاعها سمعت أحدهم يتحدث في الهاتف المحمول مع مدير مكتبة بضرورة مراجعة الأصناف المصدرة من الصين إلى الولايات المتحدة الأمريكية فوقعت تلك الكلمات على سماعها كالصاعقة
ما عسي هذا الكلام هل الولايات المتحدة الأمريكية تستورد من الصين ؟.
الخوف والتوجس والرعب والقلق بداخلها تحولوا إلى رغبة شديدة في النوم ،وما أن أقلعت الطائرة حتي نامت، وعندما انتهت الرحلة نزلت في مطار مدينة منزو ومعها ورقة باسم فندق ..خرجت من المطار وأشارت إلى تاكسي وأعطته الورقة رحب بها بإيماء رأسه وفتح لها باب السيارة ولف عداد التاكسي للصفر وانطلق بها للفندق ، وبينما هي تتأمل في أناقة التاكسي وتنظر من نافذة السيارة وهي في
اللاوعي من روعة وجمال جميع المركبات في الشارع توقف السائق أمام بناية جميلة ورائعة ومكتوب عليها الاسم باللغة الإنجليزية بجوار اللغة الصينية اسم الفندق، نزلت من السيارة ومدت يديها بالنقود لا تعرف كم سيأخذ فمد يده أخذا 15 “رنمينبي” فقط وترك الباقي بيدها وأشار لباب الفندق ومضي.
دخلت إلى الفندق وقدمت أوراقها وأكملت الإجراءات وباتت ليلتها في مدينة “منزو”
وفي الصباح غادرت إلى مدينة إيوو
وصلت للفندق وطلبت مترجما ، وما هي إلا دقائق واستقبلت مكالمة من المترجم يطلب منها النزول لمناقشة للجدول اليومي فنزلت إليه
شاب صيني اسمه أحمد تعجبت من الاسم فضحك موضحا إنه درس بالأزهر الشريف بمصر وأسلم واختار اسم أحمد ثم أخذها في جولة في مدينة ايوو،
جيهان تشعر أنها قزمة أمام عمالقة
بنيات المدينة تبدو كلها جديدة متراصة، أنيقة ، دقيقة في أدق التفاصيل
كلها بنفس اللون ورسومات الواجهات لا يوجد فيها شاذ،
أجهزة التكييف كلها بجانب واحد من البنيات . الشوارع واسعة جدا وعدة حارات ، الخضرة في كل مكان ، ومن شرفتها بالفندق ترى الساحات العامة كأنها سجاجيد مرسومة بكل دقة و عناية ، وفي المحال التي توجد في أماكن مخصصة بعيدا عن السكن ..الأطفال تبدو وكأنها في وجهات عرض والناس كلها أنيقة وتقريبا نفس الطول والوزن كأنها خرجت من قالب واحد.
نظام جاد وصارم من الجميع ، لا ترى رجال شرطة ولكن الناس ملتزمون بكل القواعد.
كانت تسمع أن الصينين يأكلون أي شيء ولكنها وجدت مطاعم شرقية خاصة بها كأنها لم تغادر السيدة زينب.
سألها أحمد عما تريد .. فقالت بضائع للمحل
أحمد : أي بضائع لا بد من عمل قائمة بالاحتياجات .
جيهان : أريد بودره وروج وأقلام حواجب وغيره..
أحمد: لابد من التحديد.
جيهان :هل لك أن تساعدني .
أحمد: أولا المبلغ الذي معك لابد من استقطاع مبلغ المستخلص الجمركي ومبلغ أخر لشراء الهدايا للأهل والأصدقاء، والمتبقي يكون معك ورقة وقلم وكلما اتقفت على كمية احسبِ ثمنها و اسقطيه من المبلغ العام .
شكرت جيهان أحمد وذهب بها إلى السوق الليلي في “ايوو”..
شارع طويل وبه كافة البضائع يشبه سوق حي الموسيكي بمصر واشترت مجموعة من البضائع وفي الصباح تذكرت بعض الأصدقاء فذهبت للشارع فلم تجد أحدا ، وعند وصول أحمد في ميعاده سألته عن السوق فأخبرها أنه سوق ليلي فقط من الساعة الثامنة مساء حتي الثالثة فجرا، وأخذها إلى سوق الفُوتيان ..دخلت جيهان السوق الذي يوازي مدينة كاملة من أربعة طوابق على مساحات شاسعة ، به كافة البضائع من أجودها وأغلاها إلى أردءها و أرخصها. السوق عبارة عن قطاعات كبيرة جدا ومتخصصة تخصصات دقيقة.
كادت تغيير مجالها من أدوات الزينة إلى تليفزيونات وتليفونات ماركات عالمية وما أن عرفت الأسعار عادت إلى رشدها، ثم عادت و فكرت في لعب الأطفال وكان رد البائع “هذا يعيش العمر كله ، هذا يتعطل بعد خمس سنوات وهذا بعد ثلاثة وهذا بعد اثنين وهذا بعد سنة واحدة وهذا بعد ثلاثة أشهر وهذا بعد ثلاثة أسابيع.. فأي البضائع تختارين
يالا الهول ماذا أرى الفرق في السعر شاسع مع إنه نفس المنتج بنفس الشكل ولكن الفرق يكمن في خامات الصنيع ومدة الصلاحية.. ماذا أفعل ؟
صارت جيهان تنتقل في سوق الفوتيان من قطاع إلى أخر وكل قطاع متخصص في نوع واحد من البضائع هذا الكترونيات وهذا لعب أطفال وهذا وشاحات وهذا ملابس من خامة كذا وهذا أطراف تعويضية وهذا أدوات تجميل وهذا و هذا…
ناس من مختلف الجنسيات من كافة أرجاء العالم تعرفت عليهم من ملامحهم بسبب خبرتها من مراقبة مسجد السيدة زينب ومردوه من كافة أنحاء الدنيا.
أحست لبرهه أنها أمام المسجد من كثرة الزحام واختلاف لهجات المتحدثين نظرت خلفها فلم تجد بيتها …
وفي وسط حيرتها وجدت أمامها سيدة صينية تصرخ في وجهها “جيجي”
جيهان السيد محمود من القاهرة السيدة زينب قسم أصول الدين..
ازدادت جيهان حيرة والسيدة تأخذها بالأحضان و هي تمطرها بالأسئلة
كيف مصر؟ وكيف الإسكندرية؟ وكيف الأزهر؟
وكيف حالك؟ وهل تزوجت من شريف؟ وماذا حدث؟ ولماذا أنت هنا؟.
توقف تنفس جيهان لبرهة ثم استعادت نفسا عميقا ، وهي تقول نعم نعم
مصر بخير والإسكندرية بخير والأزهر بخير وكلنا بخير
فأردفت السيدة الصينية أنا جاكي..
من مدينة هاندان الصينية كنت في كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالمنتزه بمحافظة الإسكندرية المصرية ” قسم لغة عربية ” معك في نفس الكلية وكنت معك في سكن الطالبات ألا تذكرين يوم تقابلنا على المائدة يوم الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج وقد تعرفنا على بعض يومئذ
مازالت جيهان تقف ساكنة لا تعطي أي رد فعل ولا تعرف ماذا تقول
ادركت جاكي أن الصدمة كبيرة عليها فأجلستها و أعطتها كوب من الماء ورويدا رويدا استعادت جيهان وعيها و بدأت تتجاذب أطراف الحديث بحذر شديد
جيهان :ماذا تفعلين أنت هنا يا جاكي ؟أنت من هاندان على ما أتذكر
جاكي : نعم ولكني تعلمت اللغة العربية وجئت هنا كي أعمل في هذا السوق
هل تودين المساعدة؟
جيهان: في الحقيقة نعم فأني أشعر هنا أنني نقطة في بحر لا أعرف ماذا أفعل.
جاكي :أراك في حيرة شديدة من أمرك أنصحك بالعودة للفندق والراحة وعند الانتهاء من الدوام نتقابل في أحد المطاعم الشرقية ونتناقش إن أردت
جيهان :نعم أريد
عادت جيهان للفندق أخذت حماما ساخنا وقسطا من الراحة وفي المساء ذهبت للمطعم الشرقي المتفق عليه ووجدت جاكي في انتظارها
جاكي : آه لو تعلمين كم اشتقت لمصر والعيش فيها لقد قضيت امتع الأوقات فيها ومكتبة الإسكندرية التي وجدت فيها ضالتي .. رائحتك …. تشبع قلبي وتلثم جروح اشتياقي لمصر
جيهان :لماذا لا تعودين لمصر إذ تحملين كل هذا العشق لها ؟
جاكي: إنه الوطن يا عزيزتي ..المهم لما أنت في حيرة من أمرك؟
جيهان : أنا تزوجت وأصبحت أرملة واقترضت من البنك واخشى الفشل والسجن وأطفالي صغار، فقد القيت نفسي دون قصد في سوق الفِتيان ولا أعرف ماذا سيفعلون معي ؟
جاكي : أنا أعرف إنك قادرة على صنع المعجزات رغم ظروفك وديونك
قليل من التخطيط يا أختاه مع كثير من العمل سوف تصلين لمبتغاك وسوف تكونين يوما ما واحدة من هؤلاء الفتيان فقوتك تعادل قوتهم وتزيد،
أنت تشعرين بالحيرة والإحباط لأنها المرة الأولي لك هنا اشتري ما خططت له في مصر
جيهان :أدوات زينة
جاكي : فلتكن أدوات زينة حتي تكتسبين الخبرة الكافية وتملكين المال الكافي لتغيير النشاط.
جيهان : شكرا لك جاكي
جاكي : لا شكر على واجب أنت هنا في بلدك الثاني كما كنتم تقولون لي في مصر ، وأنا تحت أمرك في أي شيء، سأحاول رد جميل الدفء الذي كنت أتعامل به في مصر، لواحدة من شعب عاملنا بكل رقة واحترام.
وقضيا معا وقتا رائعا تعرفا على بعضيهما من جديد وانتهت الأمسية وعادتا إلى موضعهما.
في الصبح ذهبت جيهان مع أحمد لسوق الفوتيان واتجها مباشرة لقطاع أدوات الزينة وانتهت جيهان من كافة التعاقدات وانتظرت لمدة 15 يوما لحين الانتهاء من تصنيع ما طلبت والتأكد من جودة ما طلبت وفي هذا المدة تقابلت مع جاكي عدة لقاءات وتذكرتا ذكريات جميلة مبهجة وذكريات حزينة مؤلمة من رحيل بعض الطالبات، وقبل مغادرة جيهان للصين تبادلتا الهدايا .
ثم سلمت جيهان البضاعة إلى المستخلص الجمركي الذي ادخلها مصر عن طريق ليبيا وعادات جيهان إلى مصر وتسلمت البضاعة في السيدة زينب.
وعام بعد عام وثقت جيهان علاقتها بجمهورية الصين الشعبية ،
وعرفت أن كلمة الصين هي كلمة صغيرة لكنها تعبر عن كيان كبير لم تكن تعرف عنه شيئا من قبل.
وفي أحد الأيام سألها أبنها ما هي الصين فأجابه أحد العاملين بالمحل أنها لعبة سهلة الكسر مثل التي بيدك ، فنهرته جيهان بشدة قائلة إجابتك تنم عن جهلك .
تعال لأعرفك معه من هي الصين وفتحت جهاز الكمبيوتر المحمول وبحثت عن الصين وجاءت بالخريطة والعلم ، هذا علمها أحمر وبه خمس نجوم ذهبية
القاعدة حمراء مع خمس نجوم ذهبية في زاويته العليا اليسرى يرمز اللون الأحمر للدماء التي بذلها الشعب الصيني أثناء الثورة التي تكللت بتأسيس جمهورية الصين الشعبية عام ،1949، أما النجمة الكبيرة التي تتوسط النجوم الأربع الأخرى فترمز للدور القيادي للحزب الشيوعي الصيني، بينما ترمز النجوم الأربع الصغار للفئات الرئيسية التي يتكون منها جمهور الحزب وهي: العمال والفلاحين والعسكريين والمعلمين.
تم رفع العلم الحالي للمرة الأولى في الأول من أكتوبر من عام 1949 في ساحة تين أن مين في العاصمة بكين إيذانا بولادة جمهورية الصين.
الصين دولة كبيرة وعظيمة في شرق أسيا مساحتها 9.597.000كم2 وعدد سكانها تخطي المليار و 300 مليون نسمة ومع ذلك شوارعها غير مزدحمة وتتألف من 22 مقاطعة وخمس مناطق ذاتية الحكم وعملتها رنمينبي ،
وهي من أكبر الدول الصناعية فهي موطناً لعدد من الصناعات المهمة، منها: صناعة السيارات، ومعدات النقل المختلفة؛ كالقاطرات، والسكك الحديدية، والسفن، والمنتجات الاستهلاكية؛ كالأحذية، والألعاب، والإلكترونيات، وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية، ومعدات الطاقة النووية، وتوربينات الغاز، بالإضافة إلى معدات المعادن والأسمدة البتروكيماوية. أما فيما يتعلق بمجال صناعة الطاقة، فإن أكثر الصناعات نمواً في هذا السياق هي الصناعات الحرارية، والطاقتين المائية والنووية، إذ قُدرت القدرة الإجمالية المُصنعة للمولدات بنحو 874 مليار كيلوواط سنوياً، وتحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم من حيث الإنتاج الكهربائي، فهي تولّد ما يفوق 3.2 تريليون كيلوواط خلال ساعة واحدة فقط.وبذلك فإنها موطن صناعي عالمي.
وفيما يخص الزراعة : تحتل الصين المرتبة الأولى في الإنتاج الزراعي في جميع أنحاء العالم، وتنتج الأرز والقمح والبطاطا والذرة البيضاء والفول السوداني، والشاي، والدخن والشعير والقطن والبذور الزيتية وغيرها
وتؤمن الصين بحرية العقيدة ، ولها نشاط تجاري واسع على مستوى العالم
وتعد الصين من أقدم الحضارات في العالم وفي عام في 221 قبل الميلاد قامت أول إمبراطوريه صينية.
هذه هي الصين .