بقلم ✍️ محمد دياب
(مسؤول بقسم الموارد البشرية بإحدى الشركات السياحية)
من المبادئ الأساسية في التفكير الاقتصادي أن الاستهلاك المرتفع يمكن أن يتحول إلى قوة اقتصادية غير عادية إذا تم توظيفه بالشكل الصحيح ،وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية، يمكننا الاستفادة من حجم استهلاكنا المرتفع لبعض السلع مثل السيارات، لتحقيق نهضة صناعية واقتصادية تسهم في تقليل البطالة ورفع مستوى الإنتاجية الصناعية.
على سبيل المثال، إذا كنا نستورد كميات كبيرة من السيارات سنوياً، فإن هذا الرقم الكبير من الاستهلاك يمكن أن يكون فرصة استراتيجية بدلاً من أن يكون عبئاً على الاقتصاد. فلو اتخذنا قراراً بسيطاً ولكنه حاسم، مثل أن “ابتداءً من العام المقبل، لن يتم استهلاك سيارات في مصر إلا تلك التي تُنتج في مصانع على الأراضي المصرية”، فإن هذا القرار يمكن أن يحدث تحولاً جذرياً في المشهد الصناعي والاقتصادي.
ومن خلال إنشاء مصانع للسيارات، سيجري توفير فرص عمل كبيرة للمواطنين في مختلف المجالات، بدءاً من خطوط الإنتاج وصولاً إلى الإدارات الفنية والإدارية. كما أن العمل مع الشركات العالمية سيساهم في رفع مستوى المهارات الفنية والهندسية للعاملين المصريين، حيث سيكتسبون خبرات جديدة من خلال العمل جنباً إلى جنب مع محترفين أجانب.
إضافة إلى ذلك، الموقع الاستراتيجي لمصر يجعلها قريبة من أسواق مهمة مثل السوق العربي، السوق الأفريقي، وسوق شرق أوروبا، مما يتيح لها التوسع الصناعي وزيادة الصادرات،وهذا يعزز قدرة مصر على أن تكون مركزاً صناعياً عالمياً.
أما على مستوى الصناعة المحلية، فإن هذا القرار سيسهم في تعزيز قدرتها على منافسة الشركات العالمية في الأسواق المحلية والدولية ويعزز من الصناعات المصرية على جميع الأصعدة.
هذه الفكرة لا تقتصر على صناعة السيارات فقط، بل يمكن تطبيقها أيضاً على صناعة الإلكترونيات، على سبيل المثال، يمكن جذب شركات عالمية لإنشاء مصانع لإنتاج الهواتف المحمولة في مصر.
هذا سيوفر فرص عمل للشباب في مختلف المناطق، مما يعزز من الإنتاج المحلي ويقوي الاقتصاد الوطني.
ومن خلال تقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والجمارك للمستثمرين، يمكن لمصر أن تُصبح وجهة مثالية للشركات العالمية لإنشاء مصانع على أراضيها.
هذه الحوافز لن تقتصر على جذب الاستثمارات الأجنبية فقط، بل ستساهم في تطوير الصناعة المحلية وتوفير فرص عمل لشريحة واسعة من المواطنين.
بالتأكيد، يتطلب تنفيذ مثل هذه الأفكار دراسة متأنية من قبل المتخصصين في الاقتصاد والصناعة لضمان عدم حدوث آثار جانبية غير مرغوب فيها، فالفكرة يجب أن تنفذ بشكل مؤسسي وبالتعاون مع الخبراء والمتخصصين لضمان نجاحها واستدامتها.
ومن الضروري أن نفرق بين “تجميع السيارات” و”تصنيع السيارات”. فالتجميع يعتمد على استيراد قطع الغيار من الخارج، بينما التصنيع المحلي يشمل إنتاج السيارات بالكامل داخل مصر باستخدام مواد خام محلية، مما يساهم في خلق قيمة مضافة للاقتصاد.
إن تبنّي هذه الرؤية الاقتصادية يُشّكل خطوة استراتيجية نحو تحويل التحديات الاقتصادية إلى فرص حقيقية للنمو والتطور عبر استغلال القوة الاستهلاكية العالية وتحفيز الإنتاج المحلي، يمكن لمصر أن تصبح مركزاً صناعياً رائداً في المنطقة والعالم، مما يسهم في تقليل البطالة وتعزيز قدرتها التنافسية. مع التنفيذ المدروس والمؤسسي لهذه الأفكار، ستكون مصر على أعتاب مرحلة جديدة من التنمية المستدامة والازدهار. حفظ الله مصر، وأدام عزها وقوته.