بقلم ✍️ أ.د. عصام محمد عبدالقادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس بكلية التربية بنين بالقاهرة جامعة الأزهر)
تستهدف التربية الرقمية تنمية مقدرة الفرد على استخدام وتوظيف مفردات التقنيات وأدواتها وتطبيقاتها بصورة صحيحة تضمن تحقيقها عبر التمسك بمنظومة القيم النبيلة وما يتمخض عنها من أخلاق حميدة تعد سياجا منيعا من كافة ما قد يسبب الضرر وما قد يؤثر في تكوين البنى المعرفية وما قد يؤثر سلبا على السلوك أو الأداء وما يضير الوجدان ويشوه الفكر ويحدث قصورا في أي نمط من أنماط الوعي.
وثمة علاقة وثيقة بين التربية الرقمية ومعايير المواطنة الرقمية وقيمها المتفردة؛ حيث إنها تشكل الإطار العام لمنهجية التربية الرقمية الفعالة التي تضمن أن يسلك المستخدم الممارسات والمسارات الصحيحة عبر فضائيات البيئة الرقمية ،بما يجعله يحقق الثمرة من توظيفها ويخرجه من دائرة الغرق في بحور الظلام التي يحفرها ويغذيها أولئك الذين يستهدفون تدمير الشعوب والمجتمعات بتقديم ثقافات التفاهة والانحلال والتغييب وتزييف الوعي والبعد عن كل ما يسهم في بناء المجتمعات وترابطها والمقربة من كل ما يفت عضد النسق القيمي ويدفع للانحلال والتفكك.
وتفعيل منظومة القيم عبر مراحل التربية الرقمية نرصدها بداية من المدخلات وأثناء العمليات وعند الحصول على نتاجات نحكم من خلالها على بلوغ مستهدفات التربية الرقمية التي ننشدها ونحرص على تحقيقها كي تنمو مقدرة الإنسان على أن يوظف ملكاته ومهاراته الناعمة والتفكيرية والبدنية في الوصول لأقصى درجات الاستفادة من كافة الموارد والمصادر الرقمية دون معوقات والتعامل الآمن عبر الشبكة الدولية ومواقعها الالكترونية من خلال الأجهزة الذكية والقدرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين وتبادل الرؤى والأفكار والخبرات.
وينبغي أن نعي مدى أهمية تفعيل منظومة القيم عبر مراحل التربية الرقمية؛ حيث إنها الضمانة الرئيسة لمزاولة السلوك السوي، بل والطريقة المثلى في تقويم السلوك المعوج أو الممارسة غير الصحيحة، ومن ثم تعد بمثابة مرجعية لتصحيح المسار، وهذا ما يقينا من مخاطر وأضرار متنوعة قد يكون منها ما هو نفسي، أو اجتماعي، أو جسدي، أو عقلي، أو عقدي، أو فكري، وفي المقابل يعد ضمانة أيضًا لسلامة الفرد ومحيطه من أسرة ومجتمع، مما يحدث تعزيزًا نحو التمسك بالآداب والتقاليد العامة.
وسر تمسكنا بمنظومة القيم يكمن بوضوح في أن يستطيع الإنسان منا أن يحيا حياة هادئة سوية تحمل السكينة والطمأنينة والمحبة والتعاون وشتى ألوان الخلق الحميد في طياتها، ومن ثم يمتلك وعيا يقوم على معرفة صحيحة يعينه على أن يفرز الغث من الثمين والغالي من الرخيص والنافع من الضار وغير ذلك من الممارسات التي تجعله يفرق بين الحق والباطل والصواب والخطأ، بل والأمر يتعلق بأمر مهم يرتبط بالحفاظ على الهوية وصون الثقافة والعمل على تغذيتها بمزيد من صناعة المعرفة في مجالاتها المختلفة بما يجعلنا قادرين أن نستكمل مراحل حضارتنا العريقة وما تتضمنه من تاريخ مجيد يرثه ويفخر به أجيال تلو آخري.
وعبر منظومة القيم التي تضمن تحقيق غايات التربية الرقمية نستطيع أن نخلق أجيال تمتلك الوجدان الراقي بما يحمله من اتجاهات إيجابية وميول نحو حب العلم وشغف تحصيل معارفه الجديد منه والأصيل، بما ينعكس على ما يصدر من ممارسات وتصرفات وأداءات تتناغم مع ما نبتغيه من صلاح وإصلاح في القول والعمل وتتوافق مع مدخلات الابتكار التي تغير كافة مجالات الإنتاج لما هو أفضل وبما يتناسب مع عصر الرقمنة المتسارع في عملياته ومخرجاته.
ولابد أن ندرك ما يتمخض عن التربية الرقمية من ثمار يانعة إذا ما تضمنت في مراحل منظومة القيم؛ حيث يساعد ذلك دون مواربة في بناء إنسان يحمل الخير بين جنباته فيعمل على الإعمار والنهضة والرقي ليزدهر طريقه ويسمو فعله ويتمكن من أن يصلح المعوج لديه وللآخرين دون كلل أو ملل؛ فيصبح تقييم ذاته من مفردات الاتصاف القيمي لديه، ومن ثم لا يتوقف البتة عن العمل على تحسين وتطوير وصقل خبراته بصورة مستدامة.
وفي هذا السياق المتناغم نثق في أن التربية الرقمية التي تقوم على فلسفة القيم تسهم بقوة في بلوغ الفرد لمرحلة النضوج الفكري والوصول لمبتغى الجودة التي لا تنفك عن الإتقان في سائر الأعمال، وفي الحقيقة الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يحث الإنسان منا أن يحب ما يعمل في ضوء ماهية شغف الاستطلاع المستمر الذي نكتسب من خلاله جديد الخبرات ونستكشف نتاجات الابتكار في مجالاتنا.
وتعالوا بنا نؤكد على أمر جلل جراء الاهتمام بالتربية الرقمية التي تقوم على قيمنا النبيلة ألا وهو إيمان الفرد بماهية الوطن وتعزيز محبته والإيثار من أجله والدفاع عن مقدراته والعمل بغية نهضته وازدهاره وتعضيد نسيجه وتماسك أطياف مجتمعه والتعاون من أجل تحقيق غاياته الكبرى.
ومما لا شك فيه أن صلاح البيئة الرقمية والعمل على تعزيز مخرجاتها المفيدة يساعدنا في مواكبة كافة التغيرات على الساحة الدولية في شتى المجالات التنموية والخدمية على حد سواء؛ فقد باتت الرقمنة وما تحمله من أدوات وتطبيقات فرض عين في تسيير الحياة بكامل مكونها، كما أضحت مكونا رئيسا لأنظمة ومؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية؛ فهي جزء أصيل ورئيس في المدخلات، ومعالج مهم في العمليات وأثرها واضح في صورة المنتج أو المخرج النهائي..ودي ومحبتي لوطني وللجميع.