(بقلم ✍️ شحاتة زكريا (كاتب وباحث متخصص في الشؤون الاقتصادية والسياسية )
في مشهد يعكس استراتيجية مصر الطموحة للانفتاح على العالم تأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الدنمارك والنرويج وأيرلندا كجزء من رؤية متكاملة لتعزيز الشراكات الدولية وتحقيق نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية والسياسية. هذه الجولة ليست مجرد زيارة بروتوكولية بل هي خطوة مدروسة تعكس فهما عميقا للتحولات العالمية واحتياجات الدولة المصرية لتحقيق التنمية المستدامة.
البداية كانت في الدنمارك الدولة التي تحتل مكانة رائدة عالميا في مجالات الطاقة المتجددة خاصة طاقة الرياح والهيدروجين الأخضر. هنا ظهرت رؤية مصر الواضحة لتصبح مركزا إقليميا للطاقة الخضراء وهو ما وجد صدى إيجابيا لدى الشركاء الدنماركيين. النقاشات لم تقتصر على الطاقة بل امتدت إلى مجالات أخرى حيوية مثل الصناعة الدوائية والنقل البحري.
ووسط هذه المباحثات أظهرت مصر قدرتها على جذب الاستثمارات العالمية بفضل موقعها الاستراتيجي كبوابة لأفريقيا والشرق الأوسط بالإضافة إلى التسهيلات التي تقدمها للمستثمرين ، ما يعزز مكانتها كمحور اقتصادي دولي.
وفي النرويج الدولة المعروفة بتجربتها الفريدة في الاستدامة والابتكار ، جاءت المحادثات لتفتح آفاقا جديدة للتعاون في مجالات التكنولوجيا والطاقة النظيفة. هذه الزيارة عززت الروابط بين البلدين ، خاصة في ظل التحديات المناخية التي يواجهها العالم اليوم. التوافق بين الجانبين على أهمية الطاقة المستدامة ومواجهة التغير المناخي يعكس شراكة حقيقية يمكن أن تغير قواعد اللعبة في المنطقة.
أيرلندا كانت المحطة الثالثة حيث سلطت الزيارة الضوء على أهمية توسيع الأسواق أمام المنتجات المصرية الزراعية والغذائية، التي أثبتت قدرتها على المنافسة في الأسواق الأوروبية. هنا بدا واضحا أن مصر تسعى ليس فقط لتعزيز التبادل التجاري، بل لتحجز لنفسها مكانة ثابتة في سلاسل الإمداد العالمية.
لكن الجانب الاقتصادي ليس كل شيء فقد حملت هذه الجولة أبعادا سياسية عميقة ، أبرزها تنسيق المواقف بشأن القضايا الإقليمية والدولية. مصر التي تدعو دائما إلى حلول سياسية للأزمات وترفض الحروب والصراعات ، وجدت في الدنمارك والنرويج شريكين يتفهمان هذه الرؤية.
عضوية الدنمارك المقبلة في مجلس الأمن تُعد فرصة ذهبية لتعزيز التعاون لدعم السلام العالمي ، وهو ما يجعل هذه الجولة أكثر أهمية في هذا التوقيت الحساس.
زيارة الرئيس السيسي إلى أوروبا الشمالية ليست مجرد محطة في جدول العلاقات الدولية لمصر بل هي رسالة للعالم بأن مصر برؤيتها الواضحة وإرادتها القوية تسير بخطى ثابتة نحو المستقبل. الجولة قدمت نموذجا للدبلوماسية الحديثة التي لا تكتفي بالحديث عن التعاون ، بل تعمل على تحقيقه بخطوات عملية تُترجم إلى اتفاقيات وشراكات تخدم الجميع.
هذه الجولة أظهرت للعالم أن مصر ليست مجرد متلقٍ للدعم بل شريك قوي وفعّال يسهم في بناء مستقبل أكثر استدامة. رؤية الرئيس السيسي تُبرز كيف يمكن لدولة نامية أن تتحول إلى لاعب محوري في الساحة الدولية من خلال التمسك بمبادئ التعاون والتنمية والسلام.
في النهاية تثبت هذه الجولة أن مصر ليست فقط جسرا بين أفريقيا وأوروبا بل نموذجا للقدرة على التغيير وصناعة الفرص في عالم مليء بالتحديات. هذه هي مصر الجديدة التي لا تكتفي بالمشاركة بل تسعى للريادة.