بقلم ✍️ د.محمد يحيى (كاتب ومدرس الميكروبيولوجيا والمناعة بكلية الصيدلة جامعة مدينة السادات)
نظر الرجل في ساعته وأدرك ان الوقت قد تأخر فقرر أن يطلب سيارة أجرة، وتلفت حوله لبرهة ثم أخرج هاتفه وطلب سيارة أجرة عن طريق التطبيق ثم لبث منتظرا قدوم السيارة إليه..
إلى هنا تبدو ملامح القصة عادية ومشابهة لما يحدث مع كثير منا كل يوم، و لكن في بعض مدن الولايات المتحدة و الصين فإن الأحداث قد تتوالى بعد ذلك بشكل مذهل ومختلف.
فما أن تصل السيارة لمكان طالبها حتى تبطىء سرعتها وتقف وأبوابها مغلقة في انتظار ان يثبت الرجل أنه صاحب الطلب ويتم فتح باب السيارة له، وعندما يخطو صاحبنا داخل السيارة فإنه يجد لدهشته مكان السائق شاغرا وبعد أن يتلفت باحثا عن السائق لا يجد أي أثر له على الإطلاق، وعندما يضغط على زر مخصص لبدء الرحلة ليرى ماذا سوف يحدث، فإنه يتفاجأ بالسيارة تبدأ التحرك بمفردها وأن عجلة القيادة تدور يمينا ويسارا وتتحرك السيارة قاطعة الطريق بلا تردد حتى تصل إلى وجهتها.
هذه التفاصيل لم تعد جزءا من قصص الخيال العلمي و تمنيات الحالمين بل شقت طريقها عبر بوابة الخيال الى واقعنا الحاضر و صارت جزءا من حياة الناس في بعض الأماكن بالفعل. فالاستثمارات الهائلة في تقنيات الذكاء الصناعى و تقنيات القيادة الآلية و آليات الاستشعار أثمرت عن خروج هذا البساط السحري الجديد الى عالم الواقع. فهذه السيارات تسير معتمدة على نظامها الآلي و تقنيات الذكاء الصناعي و تلتقط ما يحدث حولها بالكاميرات و المستشعرات و تجمع البيانات المختلفة ليتم تحليلها و من ثم اتخاذ افضل مسار و كذلك لتعمل على تفادي العوائق المختلفة.
ورغم أن هذه السيارات تعمل حاليا في مناطق محددة فقط بينما السيارات القادرة على السير بمفردها تماما في اي بيئة و تحت أي ظروف لازالت غير متوفرة، و رغم ان بعض المشاكل و التحديات لا تزال تظهر و تدعو الى ادخال تحسينات و تعديلات، و كذلك رغم ان هذه السيارات تحتاج الى توافر بيئة تحتية متقدمة في قطاع الإتصالات و غيره، فإن الوصول الى المرحلة الحالية المتقدمة يدل على أن المتبقي من أجل انتاج و نشر هذه السيارات على نطاق واسع هو بعض التكميلات و التطويرات النهائية وأن السنوات القليلة القادمة قد تشهد تغييرات دراماتيكية في وسائل الركوب والمواصلات. ويعضد هذا أيضا مسارعة كثير من الشركات الكبرى الى الدخول في هذا المضمار و ضخ المزيد والمزيد من الاستثمارات في هذه التقنيات.
ومع المزايا المتوقعة لهذه السيارات مثل برمجتها على احترام قواعد المرور والذي يبشر بإنخفاض في حوادث المرور وضحايا الطرق و امكانية مساعدة الأشخاص ذوي الإعاقة و غيرها من المزايا، إلا أن كثيرا من التساؤلات تطرح ايضا عن تأثيرها على فرص العمل وعن التأمين من الهجمات السيبرانية و كذلك عن من تقع عليه المسؤلية في حالة حوادث الطرق وغيرها من التساؤلات.
ومع كل التغيرات والمزايا والتحديات المتوقعة مع انتشار هذه التقنيات، فإن الاستعداد و الفهم الجيد لهذه التقنيات الجديدة و الانضمام الى ركب البحث العلمي المتعلق بها يبقى ضمانا لتعظيم الاستفادة ونقليل الآثار السلبية و يبقى ضمانا للتعامل الأمثل و الذكي مع هذه المركبات الذكية التي تقطع الطرق بمفردها!