بقلم ✍️ أ.د. مها عبد القادر
(أستاذ أصول التربية كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر)
يستلزم التخطيط لدخول المستقبل بجدارة وتنافسية إدراك أهمية التحول في البرامج والمناهج التعليمية نحو التركيز على الفكرة والقيمة والمهارة بدلاً من التركيز التقليدي على المعلومات في ظل توفرها بسهولة، وأصبح من الضروري الاهتمام بتطوير مهارات التفكير العليا مثل التحليل والتفكيك والتركيب والفهم، وهذا يتطلب من النظم التعليمية العمل على إكساب هذه المهارات وتعليم القيم والأفكار التي تدعم الابتكار والإبداع، ويُعتبر هذا التحول أساسيًا لبناء مجتمعات حديثة تعتمد على الأفكار الإبداعية والقيم الثقافية والحضارية، مما يؤسس للتنافسية ويؤهل الأفراد لدخول المستقبل بجدارة.
وتتطلب إعادة هيكلة البرامج والمقررات التعليمية تحولًا جذريًا من التركيز على المعلومات إلى الاهتمام بالأفكار والقيم والمهارات والممارسة العملية ولتحقيق ذلك، يجب بناء مناهج جديدة تعتمد على فلسفة المعايير والمخرجات، بحيث تكون المناهج مصممة لتلبية احتياجات المجتمع وتطوير المهارات الحياتية، وتصميم أنشطة تعليمية تفاعلية تنمي التفكير الناقد والإبداعي وإنشاء مؤسسات تعليمية حديثة متطورة تركز على التعليم المعاصر وتدريب المعلمين والاهتمام بتطوير البرامج التعليمية.
وماهية التطوير لبرامجنا التعليمية يجب أن تقوم على مواكبة التغيرات السريعة في العالم، نحن بحاجة لثورة تعليمية شاملة تعيد الاعتبار للتعليم والمعلم كمكونين أساسيين في المجتمع؛ فالمعلم ركيزة أساسية لبناء المستقبل، حيث يساهم في تشكيل عقول النشء وهو المسؤول عن إعداد الأطباء والمهندسين وغيرهم من المهنيين الذين يحتاجهم المجتمع، ويجب أن تعود له مكانته المرموقة في المجتمع، مما يعزز من جاذبية مهنة التعليم.
تعتبر مهنة التعليم من أشرف وأجل المهن على الإطلاق فهي مهنة الأنبياء والرسل، فَهم معلمين في جوهر رسالتهم، حملوا رسالة الله وقدموا المعرفة والهداية والإرشاد للبشرية، فهي ليست مجرد وظيفة، بل هي دعوة نبيلة تتطلب الإخلاص والتفاني ورسالة لبناء المجتمع وتشكيل الأجيال القادمة والمعلمون يساهمون في تنمية العقول وتوجيه الشباب نحو تحقيق إمكاناتهم الكاملة.
وفي إطار ما تقدم نؤكد بأن التعليم الهادف يمكن المجتمعات من مواجهة المستقبل وتحدياته بقوة وجدارة، من خلال الجمع بين بناء معرقي متكامل ومنظومة قيم وتنمية قدرات ومهارات مبدعة، وأن هنالك أهمية تجاه التوازن بين بناء الإنسان أخلاقيًا وفكريًا ومهاريًا لضمان التقدم المستدام، ومن ثم ينبغي أن يتضمن ذلك كافة القدرات الأساسية التي يحتاجها الإنسان في المستقبل.
وجديُر بالذكر أن منظومة القيم الإنسانية الراقية تُعلي من شأن الإنسانية وتعزز ماهية التعايش السلمي وتصقل القيم الشخصية التي تركز على التطوير والنزاهة، والأمانة، والعمل بضمير حي والقيم الجماعية وتتضمن التعاون، المسؤولية المجتمعية، وتعزيز روح الفريق، وقيم التعايش والتسامح تُعلم كيفية احترام التنوع الثقافي والديني، مما يعزز السلام العالمي ويساعد في بناء مجتمعات متماسكة وقادرة على التفاعل مع الثقافات المختلفة.
ونؤكد على أن التربية والتعليم والثقافة ركائز أساسية لبناء وتطور الحضارات، حيث يعملا معًا بشكل متكامل؛ لتشكيل مجتمعات قوية ومتقدمة، قادرة على التكيف مع متغيرات العصر ومواجهة التحديات والتكامل بينهما يوجد مجتمع متوازن؛ فالتربية تُرسخ منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية الأساسية مما يسهم في إعداد أفراد يتمتعون بالمسؤولية والوعي.
ويُوفر التعليم المعرفة والمهارات ويشكل الوجدانيات والاتجاهات فهو عملية شاملة تُسهم في بناء الشخصية الإنسانية حيث يتم إعداد الأفراد ليصبحوا أعضاء فاعلين في المجتمع، قادرين على التفكير النقدي، والإبداع، والمساهمة في التنمية المستدامة، كما يشكل ويعد أجيالًا قادرة على مواجهة التحديات الآنية والمستقبلية، والمساهمة في بناء عالم أفضل، ويؤسس ويوطن للهوية اللغوية والثقافة ويحقق التنمية الفكرية ويرسخ الانتماء ويوطن شعور الفخر بالهوية الوطنية ويعضد ماهية الحفاظ على التراث الثقافي والقيم المجتمعية ويشجع الأفراد على التفكير المستقبلي والتحليلي لمواجهة الأفكار المغلوطة وتقديم حلول مبتكرة.
والاستثمار في التربية يُؤدي إلى بناء جيل واعٍ ومؤهل لقيادة التغيير ويُسهم في تحقيق ازدهار اقتصادي واجتماعي مستدام يعود بالنفع على الأجيال القادمة، ويسهم في بناء كوادر بشرية مؤهلة تدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعمل على تطوير المهارات اللازمة لتلبية متطلبات سوق العمل المتغير وزيادة إنتاجية الأفراد ورفع مستوى معيشتهم.
وفي الختام نؤكد على أن التعليم من منظور ثقافي يعزز الهوية، ومن ثم فهو ليس مجرد وسيلة لتطوير الأفراد، بل أداة استراتيجية تستهدف بناء نهضة وحضارات متقدمة من خلال الاستثمار المستدام في كافة المجالات، وعبر بوابة التعليم يمكننا أن نحقق تقدم علمي وثقافي واجتماعي، يساعد المجتمع على مواجهة التحديات وصنع مستقبل مشرق للأجيال القادمة.