بقلم ✍️ محمد دياب
(عضو هيئة مكتب أمانة صناعة المحتوى والتأثير المجتمعى بحزب مستقبل وطن)
من يظن أن السياسة الخارجية هي مجرد رسائل نوايا حسنة أو تقديم مساعدات خيرية يخطئ تماماً. السياسة الخارجية ليست محض تطلعات طيبة أو رغبات نبيلة بل هي ميدان صراع شديد التعقيد يعتمد على موازين القوة والمصالح المتبادلة.
وفي هذا الصراع لا مكان للعواطف أو الوعود الفارغة بل هناك فقط القدرة على التأثير والمصلحة الملموسة التي تضمن للدول مكانتها في اللعبة الدولية.
إن الفكرة السائدة بأن السياسة الخارجية تُبنى على النوايا الحسنة وحدها هي فكرة بعيدة عن الواقع. الدول الكبرى لا تُبرِم اتفاقيات ولا تفتح أبواب التعاون إلا بعد دراسة دقيقة لمصلحتها وهذا هو السبب الذي يجعل السياسة الخارجية عالماً من الفرص الضائعة إذا لم يتم استغلالها بالشكل الصحيح. حيث انه لايتحقق احترام مصر عالمياً إلا من خلال فهم عميق لقوتها واحتياجات الدول الأخرى واستثمار المصالح المشترك بحكمة.
بكل بساطة القوة في السياسة الخارجية لا تأتي من الوعود الطيبة أو من تقديم المعونات التي لا تضمن أي مكاسب في المستقبل. القوة تأتي من فهم عميق لمصالح الدول الأخرى وامتلاك القدرة على التفاعل معها بشكل يخدم مصالحنا الوطنية. وعليه فإن السؤال الأهم الذي يجب أن يُطرح اليوم : هل لدينا القدرة على استغلال مواردنا الوطنية بشكل يُعزز من قوتنا في الساحة الدولية؟.
تسخير السفارات المصرية لتحقيق هذا الهدف هو السبيل الوحيد لنجاح أي سياسة خارجية. السفارات ليست مجرد مكاتب دبلوماسية أو مراكز خدمات بل يجب أن تتحول إلى مراكز دراسات استراتيجية تعمل على جمع البيانات الدقيقة حول احتياجات الدول الأخرى وأهدافها. ماذا تحتاج هذه الدول؟ ما هي أولوياتها؟ وكيف يمكن لمصر أن تصبح جزءاً من الحلول التي تُقدّمها؟ هذه أسئلة يجب أن تُسأل كل يوم في كل سفارة مصرية.
إذا أردنا أن تظل مصر لاعباً رئيسياً على الساحة الدولية علينا أن نفهم أن السياسة الخارجية لا تُبنى على الهدايا أو المجاملات. إنما تُبنى على الفهم العميق لاحتياجات الآخرين واستغلال الفرص التي توفرها الموازين المتغيرة للنفوذ العالمي.
في هذا الإطار يجب على السفارات المصرية أن تكون في قلب هذه العملية لا أن تقتصر مهمتها على تقديم الخدمات التقليدية أو تلميع الصورة.
ختامًا السياسة الخارجية ليست مجالاً للنوايا الطيبة بل هي ساحة من الصراع الدائم على المصالح.
ومصر التي تطمح لأن تكون لاعباً مؤثراً في هذا الصراع يجب أن تكون قادرة على فهم هذه الديناميكيات واستغلالها لصالحها من خلال سفارات مُدربة على قراءة الواقع الدولي وتحليل احتياجات الدول الأخرى بعين استراتيجية.