في ظل النقاشات الدائرة حول قانون “المسؤولية الطبية وحماية المريض” يتجلى التحدي الأكبر في إيجاد معادلة متوازنة بين حقوق المريض وواجبات الطبيب. فهذا القانون لا يُعنى فقط بتنظيم العلاقة بين طرفين رئيسيين في المنظومة الصحية بل يعكس مدى نضج المجتمع في التعامل مع قضايا تمس صميم الإنسانية.
الطبيب الذي يقضي عمره بين الكتب والمختبرات والمستشفيات يسعى جاهداً لإنقاذ الأرواح وغالباً ما يدفع ثمناً باهظاً من وقته وصحته وحياته الشخصية. ومع ذلك، يبقى الخطأ الطبي حقيقة لا يمكن تجاهلها. فبينما قد يقع الخطأ نتيجة تعقيدات خارجة عن السيطرة، لا يمكن إنكار أن هناك حالات يُظهر فيها التقصير أو الإهمال وجهه القاسي. وهنا تتدخل القوانين لتفصل بين البراءة والتقصير، وبين الخطأ غير المقصود والجريمة الموصوفة.
وعلى الطرف الآخر، يقف المريض، ذلك الإنسان الذي يجد نفسه فجأة في موقف ضعف، يضع حياته بين أيدي الطبيب بثقة مطلقة. وعندما تحدث الأخطاء، تتحول هذه الثقة أحياناً إلى ألم، وأحياناً إلى مأساة. فكيف يمكن لمجتمع أن يتغاضى عن حق هذا المريض في الحصول على عدالة تداوي الجروح التي خلفتها الأخطاء؟
القانون الجديد جاء ليحمي المريض، لكنه في بعض بنوده أثار قلق الأطباء. فكرة الحبس الاحتياطي للطبيب، وإن بدت ردعاً للإهمال، إلا أنها قد تُلقي بظلال من الخوف على قرارات الأطباء في اللحظات الحرجة، وتدفعهم للتردد في اتخاذ إجراءات قد تكون حاسمة لإنقاذ الأرواح. فكيف يمكن لطبيب أن يعمل بطمأنينة وهو يعلم أن خطأً غير مقصود قد ينتهي به خلف القضبان؟
الواقع يقول إن العدالة في مثل هذه القضايا ليست سهلة. فالطبيب الذي يخطئ لا يُفترض أن يُعامل كمجرم، لكنه في الوقت نفسه لا يمكن أن يُعفى من المسؤولية إذا ثبت الإهمال أو عدم الكفاءة. والمريض الذي تضرر يستحق تعويضاً يخفف من معاناته، لكنه لا يحتاج إلى قانون يخلق فجوة ثقة بينه وبين الأطباء.
ينبغي أن يتكئ القانون على ميزان الإنسانية، حيث تُصان حقوق المريض بحماية عادلة تعيد له ما أُخذ، وتُمنح للطبيب مساحة من الأمان تمكنه من أداء واجبه دون رهبة تعيق قراره. فالعدالة الحق لا تُدار إلا عبر لجان طبية خبيرة، تزن الأمور بميزان التخصص لا بأحكام مستعجلة. إن إنصاف المريض بتعويض يداوي الجرح، وضمان كرامة الطبيب بعيداً عن أحكام قاسية، ليسا مجرد تفاصيل قانونية، بل هما صمام أمان لنظام صحي يحتضن الثقة، ويرفع راية الرحمة فوق كل اعتبار.
في النهاية، نجاح هذا القانون يتوقف على قدرته على أن يكون أداة للعدل، لا وسيلة للتخويف أو الانتقام. فهو ليس مجرد نصوص جامدة، بل انعكاس لرؤية مجتمع يضع الكرامة الإنسانية فوق كل اعتبار.
بقلم : محمد دياب