بقلم ✍️ د.خلود محمود
(مدرس الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للدراسات الأدبية بكينج مريوط والمحاضر الزائر لليونسكو)
»»
إذا كنت تريد السيطرة على الناس ، فقل لهم أنهم في خطر ، وحذرهم من أن أمنهم مهدد ، وأوهمهم بانتصارات كاذبة ضلل وعيهم وصدر لهم عن طريق “السوشيال” مشاهد درامية ذات موسيقي مؤثرة أو مشاهد لنصر مزيف ذات موسيقي حماسية ، تسيطر بها علي عقلهم ووجدانهم.
إن المدرك للعملية الإعلامية يعي جيداً أنها لابد أن تمر بثلاث مراحل : تمهيدية وتفسيرية ثم تكوين وجهات النظر من قبل الجماهير وهو ما لا يحدث الآن في عصر اعلام “السوشيال ميديا” فالخبر ينشر بتفسيراته بدون النظر إلي الرجوع لصحتها أو حقيقته ومصدره أو تفسيره المنطقي ، ومن ثم تدخل في حيز التضليل التفسيري الذي نشاهده منذ بداية أحداث سوريا الأخيرة فما بين سجن “صيدنايا” وما بين ظهور الميلشيات كأبطال ونصر ،وما بين اعتقالات غير مبرره من الملشيات لأعضاء الحكومة السابقة وسحل رجال وشيوخ ونساء وهمجية وانفلات أمني بالشوارع وسيطرة الكيان الصهيوني علي مناطق كثيرة من سوريا تظهر “السوشيال ميديا” فيديوهات الفرح بالنصر والسعادة والاحتفال ومشاهد خروج من المعتقلات الوهمية لتضلل وعي جماهير عريضة باستخدام عناصر التضليل الاعلامي ،ولكي يؤدي التضليل الإعلامي دوره بفاعلية أكبر ، لابد من إخفاء شواهد وجوده، أي أن التضليل يكون ناجحاً عندما يشعر المضللون بأن الأشياء هي علي ما هي عليه من الوجهة الطبيعية والحتمية.
بإيجاز شديد ، إن التضليل الإعلامي يقتضي واقعاً زائفاً هو الإنكار المستمر لوجوده أصلا.
ويبرر المسيطرون علي “السوشيال ميديا” ما تحفل به من جرائم قتل وعنف وسحل وتهديدات بقولهم أنهم يقدمون للناس ما يحبون أن يروا عن تلك القضية ثم يخبروننا وهم يهزون أكتافهم بلا مبالاه بأن الطبيعة الإنسانية تتطلب وجود هذا المشاهد كناية عن الانتصار والنصر والثأر!.
ويعتمد التضليل علي خصائص عده أهمها الكذب ، فبالرجوع للتاريخ فقد وضعت الدول المستعمرة للكذب خاصة قاعدة لسهولة تلفيق الأكاذيب تقول: “إذا كنت تريد السيطرة على الناس ، فقل لهم أنهم في خطر ، وحذرهم من أن أمنهم مهدد ، ثم تشكك في وطنية خصومك”.
بهذه الإستراتيجية العالمية الفعالة ، نجح “أدولف هتلر” في حشد ألمانيا النازية لدخول الحرب العالمية الثانية ، وبنفس الطريقة نجحت الإدارة الأمريكية بعد أكثر من نصف قرن في إطلاق حملة إعلامية واسعة لإقناع شعبها أنها بحاجة لشن حرب على العراق بأي ثمن.
وهنا نحن نري نفس الأمر في تضليل “السوشيال ميديا” للأحداث في سوريا حيث يتداخل الصواب والخطأ ، لا سيما في ظل التبادل السريع للمعلومات عبر الشبكات الاجتماعية وانتشارها على نطاق واسع ..مصادر غير رسمية ، واتباع طريقة النسخ واللصق دون إثبات أو فحص.
إن التضليل الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أرضا خصبة لانتشار مثل هذا الهذيان والأخبار الكاذبة والشائعات على جميع المستويات وفي مختلف المجالات خاصة علي مستوي الأمن ، وكما قال “جوزيف جوبلز” وزير الدعاية النازية، والمحرك العقلي لرأس “أدوولف هتلر”: (أعطني إعلاماً بلا ضمير، أعطيك شعباً بلا وعي).
ويأتي التشويه في المقام الثاني من خصائص التضليل الإعلامي فعملية تفسير خبر صحيح والتعليق عليه بأسلوب مغاير للواقع أو الحقيقة بهدف التأثير النفسي في الرأي العام لتحقيق أهداف سياسية أو إقتصادية أو عسكرية علي نطاق دولة واحدة أو عدة دول تأتي خطورته من خلال سعيها لتدمير القوي المعنوية وبث الفرقة والشقاق والإرهاب والرعب ، ويعتبر التشويه من أخطر الأساليب المستخدمة في التأثير علي الأمن ، بداية بكونه يندس بطريقة أشبه ما يكون بالسحر وسط الجماهير فمن الصعب معرفة مصدره ، بل أن السم يأتي أحياناً من أن ضحاياه يسمعونه من أصدقائهم ، بل إنهم أحياناً يكونوا هم نفسهم مروجوه .
وأما عن المتمم لخصائص التضليل فهو التلاعب.. التلاعب بالكلمة، بالمؤثرات السمعية والبصرية، بالتوضيح الناقص للمعالجة الاعلامية التي تعتمد علي الإثارة وتميل إلي التهويل والمعالجة السطحية التي تركز علي مجموعة وظائف تسويقية تخدم مصلحة شخص أو جماعة مستخدمة لإحدى وسائل التضليل الإعلامي وهي “الدعاية” ، وهي في الأساس عملية إقناع منهجي ، وأصبحت حجر الزاوية في العملية الإعلامية ..
وتعتمد بشكل أساسي على مظهر الأمانة وصدق النصيحة حتى لو كانت تغطي الخداع لكسب ثقة المتلقي وامتلاك فكره وهو ما تفعله بعض المحطات الاعلامية و”السوشيال ميديا” حيال تحليل الأحداث في سوريا وتنجيم ما يقال عنهم مقاومة لإعطائهم حقوق التصرف كاملة في الدولة ومواطنيها لقد سقط النظام والجيش وأن الدولة لكي تسقط لابد أن يكون بالقانون ولكي تقوم لابد أن يحكمها قانون وأشخاص ذوو قدرة علي الادارة لديهم حكمة ورؤية لا اطماع وأهداف تحركهم مصلحة الدولة لا مصالحهم الخاصة لديهم رؤيه ليسوا منساقون وراء كيان لديه أهدافه الخاصة ، لديهم تاريخ سياسي قادر علي القيام بمهام الدولة محلياً واقليمياً وعالمياً.