بقلم ✍️ أ.د. عصام محمد عبدالقادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريسكلية التربية بنين بالقاهرة ـ جامعة الأزهر)
يتمخض التفاؤل، والأمل من وجدان يستشعر معنى، وقيمة الحياة التي يحق لنا أن نعيشها، مهما اختلط بمجريات أحداثها ما قد يعكر الصفو، أو يبدو كطيف حزن ينتاب الإنسان منا عندما يواجه نوازل القدر المحتوم، وهنا يتبادر تساؤل إلى الأذهان: هل يتوجب أن تطغى طاقتنا الإيجابية على نظيراتها السلبية؟، والإجابة قطعا تكون بنعم؛ فهذا ما يورث الرضا في النفوس؛ لتبقى على وجل لكل ممارسة من شأنها أن تسهم في البناء، والإعمار؛ فما أجمل من حياة مفعمة بالأمل!، مليئة بالتفاؤل مهما تفاقمت التحديات، وازدادت صعوبات الحياة.
وغذاء وجدان التفاؤل، والأمل يقوم على إشعار الإنسان بأهمية ما يتبناه من مستهدفات، أو غايات مشروعة، وهنا نؤكد له أن أهدافه الخاصة، والعامة منها تصبغ حياته بمعانٍ راقية يجب أن يعمل على تحقيقها، ويسعى للعمل تجاه بلوغ نتاجها؛ ومن ثم تتسارع خطاه نحو الإنجاز المحفز من قبل وجدان متقدٍ، تملأه متعة، وشعور إيجابي راقٍ، بما يسهم في امتلاك شهية الحياة، وهوية الموطن.
وينبغي علينا أن نعوّدَ الفردَ تجاه أمر حميد يتمثل في تبنيه فلسفة التخطيط الذي يرسم له خطى المستقبل بصورة منهجية، رصينة، ويحثه على العمل بكامل الطاقة الإيجابية التي يغلفها الأمل، والتفاؤل، ويكسوها الإصرار على بلوغ الهدف؛ ومن ثم تزداد الرغبة لديه تجاه ضروب الخير في مناشط الحياة كافة، وهذا يشكل مسارًا صادقًا يؤدي إلى تنمية الوعي المجتمعي القائم على الإدراك الصحيح لماهية العاطفة الجياشة نحو حب الخير، والسعي إلى تحقيقه؛ ليصبح للحياة معنى يملأ النفوس صفاءً، ورضا، ويرفع من مناعة الإنسان ضد كل ما يشوب فكره، أو يعكر صفوه، ويشتت وجدانه.
والتطلع، والطموح المشروع بمثابة غذاء ناجع لوجدان التفاؤل، والأمل، وهنا نحاول بشكل مقصود أن نوفر المقومات التي تزيد من مقدرة الفرد على تحقيق ما يود إنجازه، أو الوصول إليه، وأن نقدم له ما يستطيع أن يتجاوز به الصعوبات، والمعوقات التي تقف حجر عثرة أمامه، وهنا يأتي التدريب على المثابرة باعتبارها من سبل النجاح؛ حيث يسلك الإنسان طريقه نحو هدفه دون توقف، ويستمد طاقته من تطلعه، وطموحه؛ ليبلغ منتهاه.
وحري بالذكر أن فقه أهمية الإتقان، والتمسك به من مصادر الغذاء للتفاؤل، والأمل الذي يبقي الوجدان على وجل، وهذا يستوجب أن نتيح الفرصة؛ كي يكتسب الإنسان الخبرات التي تتضمن مهارات تخلق لديه مواهب مكنونة؛ فيستطيع أن ينميها، ويصقلها بمزيد من العمل عليها، وهذا بالطبع يؤدي إلى إضفاء السرور، والبهجة لديه ويزيد من كنانات المحبة لكل ما يقوم به، وللجميع من حوله، ويشعر بفيض المودة، والرباط مع الآخرين بغض النظر عن وجه الاستفادة، أو طبيعة العلاقة؛ فالأمر بات يتعلق بخير يكمن في جنبات إنسانيته.
وإذا ما أردنا أن نرصد، ونشهد ملامح لوجدان يتقد بالتفاؤل، ويصبغ بالأمل؛ فإن الأمر يقوم على تدريب مقصود؛ لتعزيز خصال حميدة لدى الإنسان، منها: المرونة؛ حيث تجنبه التسرع، أو التهور؛ ومن ثم تجعله قادرا على قراءة التفاصيل، ومستوعبا لما يتعرض له من مواقف، أو قضايا؛ فنجده يعطي رأيًا، أو يصدر حكمًا يتسم بالرشد، ويقوم على معيارية الفهم، والاستيعاب العميقين، وهذا دون شك يعزز الوعي الصحيح لديه تجاه ما هو شائك من القضايا، والأحداث الماضية منها، والجارية.
إن سر تمسكنا بتغذية ما لدينا من طيف تفاؤل، وأمل نحو مستقبل نرى أنه مشرقا يتأتى من مسلمة نؤمن بها؛ ألا وهي ضرورة التوافق النفسي الذي يحفظ علينا نعمة الهدوء، والاتزان، ويجعلنا قادرين على مواصلة مشوار الإعمار الذي خلقنا جميعا من أجله، كما أن ذلك يمكننا من محاولات تلو الأخرى تستهدف تحسين أحوالنا رغم ما قد نواجه من تحدٍ متغير، وتعقيد نرى أنه قد بات مستداما؛ ومن ثم يطمئن وجداننا، وتصبح الإيجابية سمة غالبة في تكويننا، بما يساعدنا على تحقيق الغاية، وتصويب ما قد نقع فيه من خطأ المقصود منه، وغير المقصود.
وأرى أن التفاؤل، والأمل قد أضحى بوابة رئيسة ليس لتلبية الاحتياجات، والمتطلبات فقط، بل بوتقة الأحلام، والطموحات المشروعة التي نستطيع أن نصل إليها؛ لنحقق ماهية الرفاهية التي ينشدها الإنسان على المعمورة؛ ومن ثم لا نرى أن للمستحيل مكانة بيننا؛ فإن الأسرار باتت تنكشف بالعمل، وما كان معجزًا صار متاحًا بفضل عقول خاضت التجربة، وهنا أصبحت صعوبات، ومحن، وتحديات الحياة في مهب الريح إذا امتلكنا وجدان التفاؤل، والأمل.
وأود الإشارة إلى أن من يمتلك التفاؤل، والأمل سيصبح وجدانه نقيا يعينه على أن يحيا حياة مفعمة بالسعادة يملأها المحبة، والأمل، والإخلاص؛ إذ لا تجد الآلام النفسية طريقًا إليه، ولا السلبية مسارًا إليه؛ فتبدو لديه مناعة قوية ضد ما قد نصفها بأنها منغصات للحياة، ومسببات لإيقاف النجاح؛ فلا يعرف المتفائل طريق الاستسلام، أو الانهزام، أو الخضوع؛ إنما يؤمن بالتطور، والتغيير للأفضل، ويرى مستقبله بملاحظة دقيقة مشفوعة بانتباه لكل ما هو إيجابي؛ ليستثمره دوما في تعضيد مشاعره الإيجابية، ويجدد من خلال ذلك طاقته، وتتنامى عزيمته، وتقوى إرادته النفسية، والبدنية.
وأعتقد أنه لا مناص من غذاء الوجدان؛ لتعزيز التفاؤل، والأمل في نفوس أبنائنا؛ ومن ثم توجب علينا أن نعمل جاهدين تجاه غرس تلك القيمة لديهم؛ ليصبحوا قادرين على تحمل المسئولية، مثابرين تجاه ما يرغبون في الوصول إليه، قادرين على المواجهة، متحلين بالصبر، والتؤدة في عالم تكسوه تحدياتٍ، غير متناهيةٍ.