بقلم ✍️ د.سارة عبدالخالق محرم
(عضو لجنه التعليم والبحث العلمي بنموذج محاكاة مجلس الشيوخ)
شهد نظام الثانوية العامة في مصر على مدار السنوات الأخيرة العديد من التغييرات والتعديلات التي تهدف إلى تحسين جودة التعليم وإعداد الطلاب لمستقبل أكثر إشراقًا. ومع ذلك، فإن التعديلات الأخيرة التي طرحتها وزارة التربية والتعليم، والخاصة بتطبيق نظام المحاولات المتعددة، أثارت حالة من الجدل والقلق بين المعلمين و أولياء الأمور والطلاب على حد سواء.
بداية، لا يمكن إنكار أن فكرة منح الطلاب فرصة لتحسين مجموعهم من خلال الامتحانات المتعددة هي خطوة إيجابية طال انتظارها، فهي تخفف الضغوط النفسية الناتجة عن فكرة الامتحان الواحد الذي قد يحدد مستقبل الطالب بالكامل. ولكن، هناك عدة نقاط جديرة بالنقاش حول تطبيق هذا النظام الجديد:
1. التغييرات المتلاحقة وتأثيرها على الاستقرار التعليمي
قبل أربعة أشهر فقط، تم الإعلان عن تغييرات شاملة في نظام الثانوية العامة، شملت شطب مواد ودمج أخرى، بالإضافة إلى تقليل عدد المواد الدراسية. وقد قُدم هذا النظام على أنه الأفضل عالميًا، مستوحى من تجارب دول متقدمة وبناءً على توصيات خبراء متخصصين. لكن المفاجأة جاءت مع الإعلان عن نظام جديد بالكامل، ما يطرح تساؤلات عن مدى جدوى التغييرات السابقة. كيف يمكن للنظام “الأفضل عالميًا” أن يكون عمره عامين فقط؟
2. الثانوية التراكمية والموقف المتغير
في عام 2021، رفض مجلس الشيوخ مشروع قانون الثانوية التراكمية الذي كان يقضي بتوزيع مجموع الطالب على سنتين (الصفين الثاني والثالث الثانوي). ووقتها، كانت الحجة الأساسية للرفض هي فرض رسوم مرتفعة على تحسين الدرجات، مما اعتُبر إخلالًا بمبدأ تكافؤ الفرص. الآن، مع الإعلان عن نظام مشابه، يُطرح السؤال: ماذا تغير في هذا النظام لتتم الموافقة عليه؟
3. تأثير النظام الجديد على الطلاب الحاليين
النظام التعليمي الجديد الذي بدأ تطبيقه منذ رياض الأطفال تم تصميمه ليكون متكاملًا ومتصاعدًا وصولًا إلى المرحلة الثانوية. الطلاب الحاليون في الصف الأول الإعدادي مثلًا يتلقون تعليمهم وفقًا لهذا النظام الجديد. فلماذا يتم تطبيق نظام جديد على الطلاب القدامى الذين لم يخضعوا لنفس المنظومة، في حين كان من المتوقع أن تكون الثانوية العامة الجديدة هي امتدادًا طبيعيًا لتطوير التعليم في مصر؟
4. اللغة الأجنبية الثانية وتضارب القرارات
أحد أبرز التعديلات الأخيرة كان إخراج اللغة الأجنبية الثانية من المجموع بحجة أن أغلب الدول تعتمد لغتين فقط في تعليمها، وهما اللغة الأم ولغة ثانية. ولكن، تم التراجع عن هذا القرار ليتم إدخالها مجددًا في المجموع لبعض الشعب الدراسية. فلماذا هذا التناقض؟ وإذا كانت مادة أساسية، فلماذا يتم تهميشها في الصف الأول الثانوي ثم إدراجها لاحقًا؟
5. المواد الدراسية وتعارضها مع التخصصات
النظام الجديد يلزم طلاب شعبة العلوم بدراسة الرياضيات، وطلاب شعبة الرياضيات بدراسة الأحياء. كيف يمكن لطالب يطمح في دخول كلية الطب أن يُطلب منه دراسة مواد بعيدة عن تخصصه المستقبلي؟
6. التربية الدينية والتحديات العملية
إدخال مادة التربية الدينية في المجموع بدرجة كبيرة (100 درجة) يثير عدة تساؤلات. مع قلة عدد المعلمين المؤهلين لتدريس المادة، كيف يمكن ضمان تحقيق العدالة في التقييم؟ كما أن الثانوية العامة ينبغي أن تركز على المواد التخصصية التي تُعد الطالب لمساره الجامعي، وليس مواد إضافية تزيد من الأعباء.
7. تهميش مواد الهوية الوطنية
إذا كان النظام الجديد مستوحى من البكالوريا الدولية، فلماذا يتم تهميش مواد مثل الفلسفة والجغرافيا التي تعزز الهوية الوطنية؟ غياب هذه المواد يُضعف من فهم الطلاب لتاريخ بلادهم وجغرافيتها في وقت نحن بأمس الحاجة لتعزيز الانتماء الوطني.
8. القلق من التغيير المستمر
الطلاب وأولياء الأمور بحاجة إلى الاستقرار في النظام التعليمي، لكن التعديلات المتكررة وإعلان نظامين مختلفين في فترة قصيرة يثير القلق والارتباك.
9. الثقة والشفافية كركيزة للتطوير
لا أحد يعارض تطوير التعليم، لكن الشفافية في القرارات والإصغاء إلى مخاوف أولياء الأمور والمعلمين هو السبيل لبناء الثقة. الأسر المصرية تنظر إلى التعليم كاستثمار حقيقي في أبنائها، ويجب مراعاة ذلك في أي تعديل أو تطوير.
وأخيرا إن نظام الثانوية العامة الجديد يمثل خطوة نحو تطوير التعليم في مصر، لكنه بحاجة إلى دراسة دقيقة، وتنفيذ مدروس، وحوار مفتوح مع جميع الأطراف المعنية. مستقبل الطلاب لا يتحمل التجريب المستمر، بل يحتاج إلى نظام تعليمي مستقر، واضح، وملائم لاحتياجات العصر.