بقلم ✍️ أ.د. عصام محمد عبد القادر
(أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر)
تحوي لغتنا العربية الجميلة مكنون المعاني الذي يمتلء به وعاء المعرفة والوجدان؛ فيصبح اللسان طليقًا معبرًا عما يجيش بالصدور، وما يرد بالخواطر بسلاسة وعذوبة كلم؛ ومن ثم يُعد اهتمام تعليمها منذ المهد من خلال مؤسساتنا التعليمية أمرًا يرتبط بأمننا القومي دون مغالاة؛ حيث إن الرصيد الثقافي لنا نحن المصريين يزداد من رصيدنا اللغوي في المقام الأول، ثم يتبعه ممارسات وسلوكيات حميدة، ليتشكل بناء الإنسان في ضوء ما يؤمن به من قيم نبيلة.
واهتمام نظام البكالوريا المصرية المقترحة بتعليم اللغة العربية كمادة أساسية في المرحلتين التمهيدية والرئيسة أمر نثمنه ونقدره؛ لكن نتمنى أن تستمر تلكم المادة الأساسية في مرحلة الصف الثالث الثانوي، كونها صنوان رئيس في تشكيل الهُوِيَّة المصرية التي تُعبر عن ذات الإنسان المصري وكيانه الذي يرتبط بمولده وانتمائه، والثوابت التي يتمسك بها والمرتبطة بلغته العربية ومعتقده وقيمه الموجهة لسائر سلوكه؛ ليستطيع عبر ذلك أن يحافظ على تراثه ويعتز بثقافته ويتفاخر بحضارته.
والمناداة بضرورة استمرارية تعليم اللغة العربية في كافة سنوات مرحلة البكالوريا المصرية يتأتى من منطلق اهتمامنا البالغ بتشكيل الوعي الصحيح لدى أبنائنا المتعلمين في تلك المرحلة المهمة؛ حيث إن إتقان اللغة العربية يساعد في صنع وعي يترجمه إدراك صحيح محمل بمزيد من المعرفة التي تجعل الفرد إيجابيًا نحو العمل والعطاء، كما تمكنه من أن يعبر عن صدق ومكنون مشاعره، ناهيك عن صقل شخصيته التي تتفرد بخصال وصفات مستمدة من بواعث عطرة تكمن في صفاء وجدانه الراقي.
إن الحرص على صقل المهارات اللغوية المتمخضة عن لغتنا العربية الجميلة تُعد بمثابة البصمة المميزة للإنسان المصري صاحب العروبة والثقافة والحضارة المتجذرة؛ فجميعنا يؤمن بأنها لغتنا القومية التي أقررناها في دستورنا؛ لذا باتت اللغة العربية وتعليمها من الثوابت الرئيسة في التعليم المصري كونها مرسخة لماهية الولاء والانتماء وصورة المواطنة الصالحة في نفوس جيل تلو الأخر، كما أنها تمدنا بجميل المنطق في كل ما نحدث به أو نتحاور من أجله أو نفكر فيه.
ونثمن اعتماد نظام الباكالوريا المصرية مادة التربية الدينية كمادة أساسية، وهنا نتحدث بصراحة عن منظومة القيم التي تراجعت لأسباب يصعب حصرها في هذا المقام؛ لكن دعونا نقر بأن التربية المؤسسية الرسمية يقع على كاهلها أمر عظيم؛ ألا وهو تهيئة الإنسان لأن يصبح صالحًا؛ فيسلك طريقًا قويمًا يعينه على الإعمار والنهضة والتقدم والازدهار في شتى مجالات حياته، كما أن يستطيع أن يقوم المعوج وفق فلسفة تقييم الذات؛ فيصبح سريع العودة للطريق المنير.
وجميعنا متوافق على أن مادة التربية الدينية بما تحمله من موضوعات لها مستهدفات مباشرة تجاه بناء الإنسان؛ إذ تحثه على استقامة النفس من خلال غرس النسق القيمي الذي يتبناه مجتمعنا ويؤمن به ويدافع عنه؛ فبدون شك مرتبط بعقيدته التي تعضد المحبة والتآخي وتؤكد على التكافل والترابط والكرم والإيثار وحسن الجوار والعشرة، ناهيك عن سلسلة ضخمة من القيم التي تعمل على إصلاح الذات لدى الفرد؛ فيصير مواطنًا صالحًا بما تحمله الكلمة من دلالة ومعنى.
وندرك أهمية القيم التي يغرسها محتوى مادة التربية الدينية في نفوس فلذات أكبادنا بتلك المرحلة المفصلية والحرجة من العمر؛ فالقيمة في حد ذاتها تشكل النبراس المضيء الذي يهتدى به الإنسان في أقواله وأفعاله ووجدانه؛ فما أحوجنا لأن يدرك أبناؤنا المتعلمين بمراحل التعليم المختلفة أن القيمة تحمل دواءً لكل داء وتشمل حلولًا لجل القضايا التي تشغل البال، وسلاح يقينا من شر الأشرار.
إننا في اشد الحاجة لأن يتدارس أبنائنا ما يعضد لديهم الهُوِيَّة المصرية، ويجعلهم متمسكين بمنظومة القيم النبيلة؛ ليتمكن الإنسان من تنقيح ما يتلقى من معارف تتأتى من مصادر عديدة ومتنوعة، مستندًا على وعي يعد بمثابة المصفاة التي تعمل على فلترة وغربلة غير المجدي وغير الصحيح، أو ما به لبس، أو ما يشوبه مغلوط، أو المشوه في أصله.
وأرى أن اللغة العربية والتربية الدينية من دعائم تنمية الوعي القيمي لدى متعلمينا بمرحلة البكالوريا المصرية؛ حيث يسهمان دون مواربة في تقوية الجانب العقدي لدى الإنسان ومن ثم يتحلى بالقيم النبيلة والخلق الحميد، ومن خلالهما يحافظ على ثقافته ويصعب أن ينجرف مع الثقافات المستوردة، كونه تربى على الفضيلة التي تعد مكون رئيس في طبيعته؛ فيصبح وجدان صاف لا يعكره مكذوب ما تنادي به الثقافات الأخرى من مادية بحته يزول أثرها سريعًا.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.