بقلم ✍️ د.حنان سالم
(دكتوراه الفلسفة المعاصرة – جامعة العريش)
التغيير سمة العصر وسبب للتطوير وهو شيء مطلوب ومرحب به دوما مهما اختلفنا في بلورة الأفكار والأساليب والآليات ،وتبقى الحاجة ماسّة إلى التغيير من أجل التطوير في التعليم كسمة أساسية جامعة لكل مراحله ببرامجها ورؤاها التربويّة وفلسفتها ومناهجها لمواكبة العالمية.
هذه الحاجة تستوجب بناء ثقافة مجتمعية شاملة مختلفة ترفض الجمود، والسلطويّة في الممارسات، أو الإجراءات، أو تحديد شكل ومضمون المناهج، وحتي في شراكة المجتمع المدرسي بالمجتمع الخارجيّ.
وفقا لهذا فالتغيير أو التطوير لا يحدث بشكل مفاجيء أو دفعة واحدة، فلابد أن يكون عملية تنظيمية مخطط لها بأهداف معينة ترنو إليها كتحقيق مخرجات محدّدة، ومواكبة تطورات معينة كسوق العمل وغيرها. فالتطوير يمثل خطّا مستقيما يبدأ من المراحل الأولي متماشيا مع كل المراحل ليكتمل عند نهاية كل مرحلة ويتابع في المرحلة اللاحقة، فلا يتخطي أي مرحلة لأنه عملية تراكمية يضاف فيها نجاح كل فعل في التغيير إلى فعل آخر على خط التطوير، وهو عملية تستشرف الشراكة، والتنسيق، والحوار الإيجابي بين كل من يستفيد من هذا التطوير.
وعليه تدور تساؤلات كثيرة وضرورية حول نظام الثانوية العامة الجديدة في مصر تحت مسمي ” البكالوريا الجديدة ” والتي تتلخص في تصورين بداية من هيكل البكالوريا الجديدة والهدف منها إلي نتائج هذا التغيير.
فماهي البكالوريا الجديدة؟ أوضح وزير التربية والتعليم هيكل الثانوية العامة الجديدة والهدف منها في تنمية المهارات الفكرية والنقدية بديلاً عن الحفظ والتلقين، والتعلم متعدد التخصصات بدمج المواد العلمية والأدبية والفنية، والتقييم المستمر وتقسيم المواد على عامين على الأقل، هذا بالإضافة إلى الاعتراف الدولي والفرص المتعددة من خلال جلستي امتحان سنوياً.
وقد كشف الوزير عن أمر خطير في البكالوريا أنها سوف تصبح خمس سنوات بدلا من ثلاثة فهي تتكون من مرحلتين هما المرحلة التمهيدية (الصف الأول الثانوي)، والمرحلة الرئيسية (الصفين الثاني والثالث الثانوي). وأن يكون الحد الأقصى لعدد سنوات الدراسة للمرحلة الرئيسية 4 سنوات بخلاف الصف الأول الثانوي.
فالمرحلة التمهيدية (الصف الأول الثانوي)، تتضمن عددا من المواد الأساسية هي سبع مواد تدخل في المجموع الكلي، أما المرحلة الرئيسية : الصف الثاني الثانوي تتكون من ( أربعة مواد فقط )ثلاث مواد أساسية مع أحد مواد التخصص يدرسها ويمتحن فيها لمدة عامين بما فيها التحسين. والصف الثالث يتضمن ثلاث مواد: التربية الدينية المادة الأساسية لكل التخصصات بالإضافة إلى مادتي التخصص وجميعها مستوي رفيع يدرسها ويمتحن فيها لمدة عامين بما فيها التحسين أيضا.
من هذا المنطلق هل البكالوريا الجديدة منصفة وعادلة لجميع الأطراف طلابا ومعلمين وأولياء أمور؟
بالنسبة للطالب تمثل البكالوريا وفقا لهذا المقترح عبئا جديدا عليه كالآتي :
– السنة التمهيدية في أي مرحلة من المعروف أنها عبارة دراسة تمهيدية لجميع المواد بشكل مخفف عبارة عن مداخل لكل المعارف والعلوم، ولا تمثل ثقلا أو عبئا علي المتعلم فلماذا يدرس منهج ثلاث سنوات في مرحلة التمهيدي خاصة في مادتي العلوم المتكاملة والفلسفة والمنطق، الأجدر هنا أن تقسم علي مرحلتين كباقي المواد. كما يغيب فيها دراسة جغرافيا بلاده وعلم النفس لماذا ولهما من الأهمية ما لغيرهما ! أما بالنسبة لمادة التربية الوطنية التي تهدف لتنمية الهوية الوطنية فلا ضير أن تكون مدمجة في مادة التاريخ.
– أعتقد أن التجريب في جيل جديد يعود معه شبح الثانوية العامة في مسمي جديد هو البكالوريا لمدة (٥) سنوات متتالية من حشر المعلومات في عقل الطالب، لا يوجد فيها أي ترفيه أو أنشطة.
– فتح فرص التحسين المتكرر يشجع الطالب المصري علي التهاون واللامبالاة في استذكار دروسه بحجة ( هحسن فيها تاني )، وعليه لن يتحقق الهدف من البكالوريا بتنمية المهارات الفكرية والنقدية وخلق جيل قادر علي الإبداع والتميز بل يعتمد علي فرص التكرار التي قد تكون غير مجدية.
– بالنسبة للصف الثالث يركز على سوق العمل في اختيار التخصصات فهل يتحقق مبدأ تكافؤ الفرص للجميع؟ وتري هل سوف تنتج متعلم جدير بسوق العمل؟. وهل ثمة فرص للعمل إذا ما توقف الطالب عند “البكالوريا” نظرا لظروفه الاقتصادية المتدنية؟.
– الأهم من كل ذلك ماذا عن الجامعة ومكتب التنسيق ومجموع “البكالوريا” هل تتيح له فرصة دخول الجامعات الحكومية أو أن الأمر خاص بالجامعات الخاصة عالية التكلفة؟.
هنا يأتي دور أولياء الأمور..
– في البداية يتكرر شبح الثانوية العامة من جديد في شكل عدم فهم أي تغيير في بدايته.
– “الباكالوريا” في صورتها الجديدة تمثل عبئا اقتصاديا علي ولي الأمر من حيث زيادة عدد سنوات الدراسة وفكرة التحسين بمقابل مادي عالي إذا ما حاول الطالب تكرار التحسين. فهل تفيد البكالوريا الجديدة في القضاء علي الدروس الخصوصية أو تزيد منها، بحجة أن مواد التخصص في السنة الثالثة جميعها مستوي رفيع تتطلب معلما متميزا ذا مستوي رفيع، مما يدعو للبحث عن الدروس الخصوصية مرة أخري.
– ثمة عبء أعلي علي ولي الأمر في دخول الجامعات من حيث تكلفة المصروفات في هذه الآونة، فأقل مصروفات كلية في الجامعات الخاصة ٦٠ ألف جنيه فيما أعلي وخاصة إذا كان لديه أكثر من ابن في الجامعة.
– إذا لم تتح الفرصة لدخول الجامعة بسبب الظروف الاقتصادية المتدنية يحمل الطالب شهادة “البكالوريا” فماذا عن مستقبله ؟ وهل معترف بها دوليا إذا ما تطلب الأمر استكمال الدراسة بالخارج في الدول العظمي.
فإذا تناولنا الأمر بالتأمل والفحص والدقة المنطقية نجد أن إجابات كثيرة مفقودة في هذا الصدد تحتاج إلي حوار مجتمعي وشراكة تربوية من جميع الجهات، فقد يكون الأمر منصفا للطالب دراسيا وأن لديه فرص متعددة لتحقيق طموحاته المتمثلة في شبح الوجاهة الإجتماعية لكن يراوده شبح المستوي الاقتصادي المنخفض، والجمود العقلي ضد التطوير.
ومع كل هذه التحفظات علي الصيغة المقترحة للبكالوريا الجديدة وسنواتها، فتبقي خطوة للأمام عند مقارنتها بالثانوية الحالية، مما يتطلب التعديل والمزيد من النقاش وتوظيف جميع الرؤي والخبرات وفي مقدمتهم أهل المهنة (الخبراء التربويين والمعلمين المتميزين ذوي الخبرة)، فأهل مكة أدري بشعابها ومشكلاتها الحقيقية، والثقة والأمل موجودة في التوصل إلى ثانوية منصفة للجميع.
#