بقلم /. ناهد الطحان
في أسلوب انتقادي تهكمي , ونظرة تشريحية تحليلية ، استطاع المبدع السعودي حسين سنوسة عبر مشاهد وزوايا انسانية وحبكات بسيطة أن ينسج أبعاد قصصه في مجموعته القصصية ( أقنعة من لحم )، في تلاعب لفظي بين الأصل والصورة والقناع والوجه ، فالقناع عادة لا يكون من لحم ولكنه هنا قد تحول إلي قناع من لحم وفي هذا سخرية واضحة انتهجها القاص للتعبير عن الزيف العميق والمتأصل عند أولئك المقنعين الذين لاهم لهم سوي مزيد من الاقتناص ، اقتناص الفرص لمصالحم الشخصية بعيدا عن المصلحة العامة فتتحول وجوههم هنا إلي أقنعة مكشوفة ومفضوحة لأنها مزيفة وأبعد ما تكون عن الأصالة والشفافية .
والمجموعة تبدأ بقصة بنفس العنوان عن شخص يستيقظ ذات يوم وقد تحول وجهه الوسيم إلي وجه كلب ، ورغم هذا فإن أسرته وزملاءه في العمل لا يرون هذا الوجه وانما يرونه رجلا وسيما كعادته ، وعندما ينعته أحد المتعاملين معه في العمل بأنه وفي مثل الكلب ! .. يستيقظ في اليوم التالي وقد عاد وجهه وسيما كما كان يراه دائما ، في الوقت الذي تصدم فيه زوجته لأنه بوجه كلب ! ، وهذا التعارض يمثل ازدواجية رؤية المجتمع لذات الشخص في اختلاف وجهات النظر والأذواق والأفكار وهو ما يذكرنا برائعة أوسكار وايلد ( صورة دوريان جراي ) مع اختلاف التكنيك فصورة دوريان عبرت عنه وعن سوء تصرفاته فازدادت قبحا يوما بعد يوم، ووجه الكلب أيضا عبر عن وفاء بطل قصتنا حين سلك سلوك الأوفياء، وكأن القناع أصبح أصيلا فيه يتحدث باسمه وينبع من تصرفاته كصورة دوريان جراي نفسه .
وتستمر النبرة التهكمية لدي القاص فنجده في قصة ( ملك الموت لا يتكلم العربية ) يستغل وفاة أحد الأشخاص النبلاء وطيبته في انتقاد المجتمع بكل نفاقه ومهادناته فالشخص المتوفي نبيل لايسرق ولا يغش فكيف يختاره ملك الموت لقبض روحه الا اذا كان لا يفهم اللغة العربية اشارة للموبقات التي كان يرتكبها، أما في قصة ( ترانيم مواطن لايتحرك ) نجد الاعتراض في الصمت والوقوف الثابت من قبل أحد المواطنين بدون حركة لساعات طوال أو ربما من 1400 عام في مبالغة مقصودة ، و كاشفة عن أن المواطن يئس من اقتناص حريته واللعب بها ومن سلبيات عصره فآثر الصمت والوقوف بدون حراك، لأنه اكتشف اللعبة لعبة القناع الزائف بحجة الدفاع عن أمنه وشرفه وانسانيته ، وعندما حاول الجميع اغراءه بكل المغريات كان قد وعي الدرس فلم يستجب لهم ، هكذا سخر حسين سنوسة من الزيف في مجتمعاتنا والذي اتخذ صورا كثيرة .
وفي (صرخة طينية ) و( اشهار جوع ) يئن المواطن العربي من عزلته وحالة التكاسل والتخاذل التي يعيش فيها المجتمع العربي ، ذلك التخاذل الذي جعل عقابه أن يصفع هكذا كما قال القاص ( وام لم أصفع بحثت عمن يصفعني ، وإن لم أجد صفعت نفسي ) ليمزج بين مشاكله الشخصية التي لا تختلف عن مشاكل أي مواطن آخر وبين قضايا أمته .
أما في ( اشهار جوع) فان المشرد يبحث عن طعامه ويحكم عليه بالسجن 8 أشهر فيشعر بالسعادة في تهكم ؛ لأنه سوف يجد طعاما ونوما في السجن بعيدا عن حالة التشرد والتيه التي يشعر بها ، وفي هذا اسقاط ضد بعض الشعوب التي تستغل أفرادها فلا يجدون ما يسدوا به جوعهم وكشف للزيف والتحايل من قبل بعض المسيطرين علي أقوات الناس .
وفي قصص ( الوسادة البيضاء )، و( اسمي وأسماؤهم ) و( أمي تلعن النجوم )، و( آخرون كانوا هنا) ، و( يأكلون الهواء) نجد ملامح التحليل العميق التي لا تخلو من رومانسية في بعض الأحيان وبحث عن حقيقة الإنسان في هذا العالم ودوره الضروري في الوجود كمسؤول عن أسرة كما في قصة ( يأكلون الهواء ) لأن الإنسان كائن مكلف ولابد له من القيام بواجباته تجاه اسرته ومجتمعه .
أما في( فلس .. طين ) وهنا اشارة لتمزقها وانقسامها، ينتقد القاص المهادنة مع العدو الاسرائيلي وهي القضية الأم لكل الشعوب العربية ، هذه المهادنة التي لعبت بأقدار الأمة ويرفضها بل ويعتبر أي مهادنة تخاذل وعودة الي الوراء من خلال طفل يرمي بحجر – وهنا الحجر له دلالة رمزية لأنها أداة أطفال فلسطين في مقاومة الاحتلال – علي سيارة مدرسه لأنه سخف من القضية أو ربما من الاهتمام بها .
هذا وفي مجموعته السابقة ( ثرثرة خلف المحراب ) ومجموعة ( أقنعة من لحم ) نجد التزام القاص حسين سنوسة بقضايا مجتمعه وأمته ، ورفضه للزيف بكل أشكاله وسخريته العنيفة من التلاعب بمصير المواطن الفرد والشعب المجموع ، ولهذا يمكن أن نصف حسين سنوسة بأنه كاتب ملتزم ينتهج نهجا واقعيا بتكنيك السخرية من الواقع، الا أنه يتم توظيفه من خلال الأحداث والشخصيات توظيفا يعمل علي كشف الزيف بكل صوره والسعي لبناء مجتمع أكثر ايجابية بعيدا عن السلبيات التي تحاصرنا، في محاولة منه لإستشراف عالم أفضل يتسم بالشفافية والوضوح من خلال أسلوب يستعين فيه القاص بمقومات لغوية فصحي سهلة وميسرة بعيدا عن التقعر والتركيبات المهجورة ، وهو ما يجني أدبا راسخا لأنه أصيل غير وافد ونابع من معطيات تحدث كل يوم داخل أرضنا العربية أملا في مستقبل أفضل لأمتنا .