ويتجدد اللقاء مع إبداعات أدباء ومواهب أبناء أرض الكنانة.. وعبر هذه السطور الكاتب تنشر بوابة “الجمهورية والمساء”أون لاين قراءة انطباعية ورؤية نقدية للأديب ابراهيم الديب حول مجموعة “أنين العشق” للكاتبة الأديبة فيفي فاروق..
بقلم ✍️ ابراهيم الديب
( أديب وناقد وروائي)
1 – مجموعة قصصية واقعية
تؤكد موهبة الأديبة فيفي فاروق وهي قصص غنية في سردها المتفجر بالدلالات الاجتماعية والمسكوت عنه ،بأسلوب وتصوير فني وسردي متدفق يمنح القارئ عذوبة ومتعة لا يشعر معه الا في الاستمرار فى القراءة وخاصة عند تناولها :لإحساس الانثى وسبر أغوار عالمها :الحالم الرقيق ليجد القارئ نفسه يحلق في سماوات رحبة وافق ممتد من مشاعر مرهفة..
***
2 ـ التكثيف النفسي
كان حاضراً في أغلب نصوص المجموعة وفكك أكثر شخصياتها وكأنها عدة شخوص تتفاعل او تتصارع بداخل اعماق الفرد الواحد، وتتداخل أزمنة واحداث بين ماضي يلقي بظلاله، وحاضر مثقل بالهموم ، ولذلك الشخصية هنا في قصص مجموعة ” أنين العشق” ليست نقطة ثابتة: بل هي عملية مستمرة في التشكل والتفكك لتعبر هنا الذات عن حراكها بين الوعي بالواقع والبحث عن مكانها بالعالم في علاقة جدلية ،أثناء ممارستها لطقوس حياتها، بعد أن توغلت الكاتبة وحفرت وحملقت بعمق :بداخل نفوس أبطالها وهضمت وعاشت وتوحدت مع تلك الأرواح لحظاتها الحزينة حينا والمبهجة المنتصرة أحياناً اخرى..
***
3- الشريحة المهمشة
أغلب أبطال القصص شخصيات مغمورة مثقلة بالهموم، مكبلة بالمشاكل المزمنة وقد خرجت قسماتها من ريشة الكاتبة بدقة تحسد عليها وكأن القارئ يشاهد انسان من لحم ودم لا يقرأ سطورا، بعد تصوير الكاتبة لحياة تلك الطبقة ببراعة ، لتجد هذه الشخصيات نفسها دوما على حافة الاختيار ،و قد وفقت الكاتبة في اختيارها: للحظات السقوط النهائية ،أو تلك التي تسمح بتصاعد الأنين، أو الاصطدام بحائط اليأس، أو باستبصار بارقة امل في نهاية النفق، ومن ثم محاولات هذه الشخصيات التكيف والتعايش مع الأزمات والتعلق بالحياة التي ترى أنه تستحق أن تعاش برغم كل شيء…
***
4– ملاحظات وسلبيات
هناك بعض الملاحظات والسلبيات التي وقعت فيها تستحق الوقوف عندها: منها عدم اقتصادها في اللفظ وإخفاء كثير من التفاصيل بديلاً عن البوح بها ،وإيجاز دون اسهاب في الشرح والتفسير؛ حتى لا تفقد وحدة الحدث او الأثر الذي نال شبه إجماع من النقاد وخاصة من الثلاثة الكبار الذين ارسوا دعائم القصة القصيرة وهم موبسان، وادجار الآن بو، وتشيكوف، وهو أيضاً راي الكاتب الفنزويلي” لويس بريتو جارسيا الذي يقول” يبدأ التواصل حيث ينتهي الحشو ، وتبدأ الكتابة والغواية حيث يبدأ الإيحاء” إذن هناك اتفاق على خلو القصة القصيرة من الثرثرة والتطويل او الاستطراد وهو ما وقعت فيه كاتبتنا على نحو ما في بعض نصوص المجموعة على سبيل المثال “قصة كنسة بطن” التي غابت فيها وحدة الأثر وتحول لحكي تشعب لمسارات عدة، وقصة “صابرين” التي كانت في غنى عن وجود “ناهد” صديقة البطلة “صابرين” …
5– القفلة
و مما يحسب للكاتبة عدم لجوءها في نهاية القصص:بقفلة مدهشة, او مفاجئة غير متوقعة , اعتمدت على حركة الأحداث المتواصلة وانتقالها من حدث لآخر بسلاسة دون أن يشعر القارئ، وبالتوتر المستمر الذي يضج بحياة صاخبة داخل نصوصها…
***
قراءة لبعض قصص المجموعة
قصة صابرين
صابرين الشابة الجميلة زوجة عامر ابن عمها الذي كان مرضه سبباً رئيسياً في تقاعسه عن تلبية رغبات زوجته صابرين الروحية والمادية والجسدية فهو بالكاد ينفق وقته وجهده في كسب القليل الذي يبقيه هو وزوجته على قيد الحياه لليوم التالي فلم تستطع مقاومة اغراء فارس طبيب القرية الذي أخبرها أن سبب عدم إنجابها إلى الان هو مرض زوجها، لتعدد لقاءات العلاج بينها وبينه ويتحول الود الذي بينهما والشفقة لحب يفضي لاستسلامها له بل وحملها منه في لحظات الغواية والضعف، وهو ما كانت تتمناه من عامر زوجها شبه المغيب عن الواقع الأقرب للآخرة من الدنيا لتتحول أمنيتها من سعادة حلمت بها بجنين يكون سبباً في تشبثها بالحياة ؛لموت يسكن في احشائها يطفئ الروح قبل النفس والشغف في مواصلة الحياة ويغتال الجسد الذي تحول لفريسة تعمل فيه خلايا الموت بنشاط لكون جنينها الذي حلمت من الحرام وهو عقاب عادل لصابرين من ضميرها الحي..
***
قصة الوشم
وهي قصة مفعمة بالشجن والمعاناة الروحية بين شاب وفتاة اجتمعت عوامل عدة على التفريق بينهما تتكون من عرف وأخلاق وتقاليد وظروف اجتماعية : تعمل في وقت واحد على سحق تلك الشريحة المهمشة التي تضم الحبيبين بين أفرادها لتتحول قصة حب وليد وأسماء لقصة حب فاشلة وهي أجمل قصص الحب على مر التاريخ فلو تزوج روميو جولييت أو قيس ليلى ما قرأنا آيات من الأدب ما زالت تمتعنا..
***
قصة” هذا الذي أحببته “
تحكي عن زوجة تعيش حياة روتينية تكاد وكأنها تحيا لتحصي الأيام لا أن تعيشها حتي تتعرف على شاب عن طريق التواصل الاجتماعي يسحر لبها بمعسول كلامه ويدغدغ مشاعرها بغزله المتواصل لتجد نفسها خرجت في لقائه ثم يبدأ ابتزازها باسم الحب وتعانق الأرواح وتجرفها خلفه وتتبع خطاه وعوده الكاذبة ،وتجاريه في كل ذلك بعد أن أطاح بثباتها العقلي واستقرارها وتماسكها النفسي الذي استخفت به الفرحة وعاشت معه لحظات مجنونة لتقف على حقيقته أخيراً وهو خراب بيتها
***
قصص أنهام
قصة مفعمة بالأسى تسرد حياة امرأة عجوز أصيبت بالزهايمر صورت الكاتبة حياتها بأدق تفصيلها اليومية هذه القصة تصلح كبحث اجتماعي يعكف عليها رجال الدين وعلماء النفس والاجتماع والقانون في محاولة لوضع حول لهذه المشكلة..