كتب-عبدالقادر
الشوادفى وصلاح طواله
أكد الدكتور عبدالقادر سليم،مدير عام الدعوه بمديريه أوقاف كفرالشيخ، فإن من الأخلاق الجميلة والصفات الحميدة، التي وصف الله بها نبيه محمدًا صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وأمر أمته أن يتصفوا بها خلق الرفق، فما هو الرفق؟.. وما سنده الشرعي من الكتاب والسنة ؟ وما أهم مجالات الرفق في واقعنا المعاصر؟ هذا ما نحاول أن نتعرف عليه من خلال هذا المقال بمشيئة الله تعالى، أولا الرفق لغة واصطلاحاً: الرِّفق ضد العُنف، وهو يدل على موافقة ومقاربةٍ بلا عنف، وأصل الرِّفق في اللغة: النفع، وترك الرفق جفاءٌ وغلظة، والرفق اصطلاحًا: لِين الجانب ولطافة الفعل، وحسن الانقياد لِما يُؤدِّي إلى الجميل، واليُسر في الأمور، والسهولة في التوصل إليها، وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله عليه الرفق محمود، وضده العنف والحدة، والعنف ينتجه الغضب والفظاظة، والرفق واللين ينتجهما حُسن الخلق والسلامة، والرفق ثمرةٌ لا يثمرها إلا حسن الخلق، ولا يَحسُن الخلق إلا بضبط قوة الغضب، وقوة الشهوة، وحفظهما على حد الاعتدال، ولذلك أثنى المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على الرفق وبالَغ فيه.
أضاف الدكتور عبد القادر سليم، أما السند الشرعي للرفق من الكتاب والسنة، فهناك آيات كثيرة تتحدث عن الرفق في القرآن الكريم منها مايلي: قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]،وقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم ﴾ [التوبة: 128]، وقال جل وعلا ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44]، وقد أخبر الله تعالى بإرادةِ التيسير على عباده والرِّفق بهم، ونفى إرادة التضييق عليهم في الدين والدنيا، فقال تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، وقال عز مِن قائل: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [المائدة: 6]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، فلا يُكلِّف الله نفسًا إلا بحدود طاقتها؛ قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286] .
أشار، والرفق أساس الدعوة إلي الله وميزانها الحساس؛ بل وسبب نجاحها قال تعالي: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [ سورة النحل 125 : 128 ] .
قال، الرفق في السنة النبوية المطهرة: السنة النبوية المطهرة فيها أحاديث بلغت حدا في الكثرة تتحدث عن الرفق، من هذه الأحاديث ما يلي:
في الصحيحين مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ”[ صحيح البخاري، برقم 6024 ]، وروى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ”[صحيح مسلم، برقم 2593 ]، وروى الإمام أحمد عَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلُوا فِيهِ بِرِفْقٍ». رواه أحمد في مسنده، والمعنى “إن هذا الدين متين” أي: صلب شديد، فأوغلوا: أي سيروا فيه برفق، ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه، فتعجزوا وتتركوا العمل، وبين النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن الرفق من أفضل الأخلاق، وأجلها، وأعظمها قدرًا، وأكثرها نفعًا، فلا يكون في شيء إلا زيَّنه وجمَّله، وحسَّنه، ولا ينزع من شيء إلا شانه، وعابه وقبحه، روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ”[ صحيح مسلم، برقم 2594 ]، وأخبر النبي صلى اللهُ عليه وسلم أن دخول الرفق على أهل بيت علامة خير، روى الإمام أحمد في مسنده مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “يَا عَائِشَةُ ارْفُقِي، فَإِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا، دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ”[ مسند الإمام أحمد” (41/255، برقم 24734]، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وآله وصحبه وسلم من أكثر الناس رفقًا بأصحابه، روى البخاري ومسلم مِن حَدِيثِ مَالِكِ بنِ الحُوَيرِثِ رضي اللهُ عنه قَالَ: “أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا قَالَ: ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ”[ صحيح البخاري” برقم 628، و”صحيح مسلم” برقم 674]، وكان صلى اللهُ عليه وآله وصحبه وسلم يحث أصحابه على الرفق بالناس، روى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه قَالَ: “قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ”
.صحيح البخاري” (برقم 6128)، وَلَمَّا بَعَثَ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ وَمُعَاذَ بنَ جَبَلٍ رضي اللهُ عنهما إِلَى اليَمَنِ، قَالَ لَهُمَا: “يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا”. (صحيح البخاري” (برقم 6124)، و”صحيح مسلم” (برقم 1733).
وَكَانَ صلى اللهُ عليه وآله وصحبه وسلم يَحُثُّ أَهلَ بَيتِهِ عَلَى الرِّفقِ، روى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها: “أَنَّ يَهُودَ أَتَوا النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمْ اللَّهُ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْكُمْ، قَالَ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ، قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ قَالَ: أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِيَّ”[صحيح البخاري” (برقم 6030)، و”صحيح مسلم” (برقم 2165)، وَحَثَّ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم وُلَاةَ أُمُورِ المُسلِمِينَ عَلَى الرِّفقِ بِالرَّعِيَّةِ، روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ”[صحيح مسلم، برقم 1828]، فينبغي على المؤمن أن يكون رفيقًا في جميع شؤونه، رفيقًا في معاملة أهله، وأولاده، وإخوانه، وأصدقائه، وفي معاملة عامة للناس، يرفق بهم، ومن كان هذا حاله فالنفوس ترتاح له، والقلوب تأنس به، والصدور تنشرح له، ويحصل على محبة الناس، وينبغي أن يكون الرفق ملازمًا للمؤمن في بيته، وسوقه، ومسجده، وفي كل مكان يخالط فيه الناس، فإذا فعل ذلك فقد أُعطي خيرًا كثيرًا، روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ جَرِيرِ بنِ عَبدِ اللهِ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: “مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ كُلَّهُ” . [صحيح مسلم، برقم 2592 ].
عقب، أما عن مجالات الرفق في الواقع المعاصر.
1- الرفق مع النفس :
الرفق في النفس يكون بمجاهدتها والسعي إلى إقامتها على الطريق الصحيح، ويكون بعدم تكليفها ملا تطيق لأن في ذلك إهانة وإذلالا لها. قال تعالي ” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ” البقرة 286.
وعَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ. قَالُوا : وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ ؟ قَالَ : يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاَءِ لِمَا لاَ يُطِيقُهُ. أخرجه أحمد 5/405/ 23837.
والرفق مع النفس يكون بنهيها عن الهوى والشهوات، فارفق أيها العاقل بنفسك فصلاحك بصلاحها وسعادتك في إصلاحها .
2- الرفق مع الوالدين:
أمرنا الله تبارك وتعالى بالإحسان إلى الوالدين وجعل الرفق بهما بعد عبادته سبحانه ، قال تعالى : ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا”.
[سور الإسراء 23].
والرفق بالوالدين يقتضي بحسن البر والصلة , وعدم رفع الصوت عليهما , وإجابة دعوتهما , والنظر بحب ورفق إليهما , وحفظ عهدهما , وانفاذ وصيتهما , وصلة الرحم التي لا تصل إلا بهما .
3- الرفق مع الزوجة :
حث الله تعالى الزوج على حسن معاشرة زوجته والرفق بها والحنو عليها , قال تعالى : ” وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا “. [سورة النساء: 19] .
والرفق بالزوجة يقتضي الصبر عليها وتحمل هفواتها، وغفران زلاتها وفهم طبيعتها ومعرفة أن المرأة لها طبيعة خاصة، فهي سريعة التقلب سريعة الحكم على الأشياء، تحكم على الأمور غالباً بعاطفتها .
4- الرفق مع الاولاد :
الولد نعمة وهبة من الله تعالى يجب رعايته والعمل على حسن تربيته , قال تعالى :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ” . [ سورة التحريم: 6] .
وتربية الأولاد تحتاج إلى الرفق والحنو ,عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ ، . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا.أخرجه أحمد 2/185.
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:أَبْصَرَ الأَقْرَعَُ بْنُ حَابِسٍ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ ، أَوِ الْحُسَيْنَ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ : إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ قَطُّ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ لاَ يُرْحَمُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ. أخرجه”أحمد\” 2/228(7121).
5- الرفق مع الاقارب :
صلة الرحم طريق إلى السعادة في الدنيا والآخرة ، والعاقل هو من يرفق برحمه ويتحمل أذاهم وكما قيل” إذا عصوا الله فيك فأطع الله فيهم.
” وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونَ ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، قَالَ : لَئِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ.أخرجه أحمد 2/300(7979) .
6- الرفق مع الخدم :
الرفق بالخدم من الحقوق التي شرعها الإسلام الحكيم وأكد عليها , وندب الناس إليها , عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لاَءَمَكُمْ مِنْ مَمْلُوكِيكُمْ ، فَأَطْعِمُوهُ مِمَّا تَأْكُلُونَ ، وَاكْسُوهُ مِمَّا تَلْبَسُونَ ، وَمَنْ لَمْ يُلاَئِمْكُمْ مِنْهُمْ فَبِيعُوهُ ، وَلاَ تُعَذِّبُوا خَلْقَ اللهِ.أخرجه أحمد 5/168(21815). و”أبو داود” 5161.
وعَنِ الْمَعْرُورِ بْنَ سُوَيْدٍ ، قَالَ : لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ ، وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً ، فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا ذَرٍّ ، أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. أخرجه “أحمد” 5/158 (21738)، ومما يؤسف له أن بعض المسلمين لا يراعون الله تعالى فيمن تحت أيديهم من خدم وعمال فيكلفونهم من العمل ما لا يطيقون , ويعاملونهم معاملة العبيد والإسلام قد سماهم إخواننا وأوجب لهم جميع حقوق المسلم على أخيه المسلم , عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ.رواه مسلم 3/1280.
ولقد طبق النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلق تطبيقاً عملياً كما روى عنه خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال :” خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ سِنِينَ ، فَمَا أَعْلَمُهُ قَالَ لِي قَطُّ : لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلاَ عَابَ عَلَيَّ شَيْئًا قَطُّ. أخرجه أحمد 3/100، 11997).
7- الرفق مع الناس :
الرفق مع جميع الناس خلق إسلامي رفيع لا يتصف به إلا من خامر الإيمان بشاشة قلبه وتمكن من فكره وجوارحه ، وأيقن أن في الرفق سعادة وزيادة وسيادة , عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: مَنْ أُعْطِيَ حَظُّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظُّهُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَمَنْ حُرِمَ حَظًّهُ مِنَ الرِّفْقِ ، فَقَدْ حُرِمَ حَظُّهُ مِنَ الْخَيْرِ ، أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَإِنَّ اللهَ لَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ. أخرجه أحمد، ولقد أعطانا النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الدرس العملي والنموذج الأسمى والأعلى في الالتزام بهذا الخلق مع من يحب ومع من يكره .
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر . قَالَ : حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ ؛ أَنَّ رَجُلاً اسْتَاْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ : ائْذَنُوا لَهُ . فَلَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ ، اوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ . فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ الانَ لَهُ الْقَوْلَ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْتُ : يَارَسُولَ اللهِِ ، قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ . ثُمَّ الَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ ؟ قَالَ : يَاعَائِشَةُ ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، مَنْ وَدَعَهُ ، اوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ. أخرجه “البُخَارِي” 8/15،
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ شُمَاسَةَ . قَالَ : اتَيْتُ عَائِشَةَ اسْالُهَا عَنْ شَيْءٍ . فَقَالَتْ : مِمَّنْ أنت ؟ فَقُلْتُ : رَجُلٌ مِنْ آهل مِصْرَ . فَقَالَتْ : كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ ؟ فَقَالَ : مَا نَقِمْنَا مِنْهُ شَيْئا ً. إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ ، فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ . وَالْعَبْدُ ، فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ . وًيحْتَاجُ إِلَى النَفَقَةِ ، فَيُعْطِيهِ النَفَقَةَ . فَقَالَتْ : امَا إِنَّهُ لا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أبي بَكْرٍ ، أخي ، أَنْ اُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا. اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أمر أمتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ . وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أمر أمتي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ ، فَارْفُقْ بِهِ. أخرجه أحمد 6/93 .
8- الرفق مع الحيوان :
وفي الإسلام يتعدي الرفق من الإنسان إلي الحيوان ، ولقد حكت لنا كتب السنة قصة الرجل الذي رفق بكلب فسقاه من العطش فغفر الله له وادخله الجنة، وقصة المرأة التي حبست هرة حتى ماتت فدخلت بسببها النار . وكل ذلك يؤكد عظمة هذا الدين وأنه دين يعني بكل الجوانب الإنسانية لأن في ذلك سعادة الإنسان وأمنه، فقد حث حضرة النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وآله وصحبه وسلم أُمَّتَهُ عَلَى الرِّفقِ بِالحَيَوَانِ، روى مسلم في صحيحه مِن حَدِيثِ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ رضي اللهُ عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: “إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ”[ صحيح مسلم، برقم 1955].
كما حرم الإسلام تعذيب الحيوان ولعن المخالفين على مخالفتهم، وكل ذلك يؤكد أن الرفق في الإسلام خلق أصيل لا يتصف به إلا المؤمن الحق , ولا يلتزم به إلا من عرف الإسلام معرفة الموقن بأنه الدين الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق ويرفع من شأن القيم والفضائل.
وفي الختام نسأل الله تعالى أن يبارك لنا في شعبان وأن يبلغنا رمضان ، كما نسأله جل وعلا أن يحفظ مصر وأهلها وأن يجعلها في أمانه وضمانه واحة للأمن والأمان والاستقرار.
اللهم آمين بجاه السند الأمين.