بقلم ✍️ مدحت الشيخ
تُعدّ الدراما إحدى أهم أدوات القوة الناعمة ذات التأثير الأوسع بلا منازع، نظرا لقدرتها الفائقة على الانتشار بين مختلف طبقات المجتمع، ولا سيما بين ربات البيوت والأطفال.
ولطالما لعبت الدراما دورا مهما في مناقشة قضايا المجتمع، والتحذير من سلبياتها، كما أنها كانت، في كثير من الأحيان، تقدم حلولًا مناسبة للعديد من المشكلات.
وحتى وقت قريب، كانت الأعمال الدرامية تتمحور حول نشر الثقافة، والتعريف بالتاريخ، وتسليط الضوء على الشخصيات التي كان لها دور بارز في التاريخ المصري. كانت الدراما هادفة، وكان للسينما تأثير لا يقل أهمية عن الدراما. لكن مع مرور الوقت، تبدلت الأوضاع، وانقلبت المعايير، فغابت الرسالة عن صُنّاع الدراما، وأصبحت بلا هدف، بينما بات الشغل الشاغل لمنتجي الدراما وصُنّاع السينما تحقيق الربح السريع، حتى لو كان الثمن هو تدمير الأجيال من خلال إنتاج أعمال تروّج للبلطجة وترسّخ ثقافة الجريمة، دون أي مراعاة لقيم ومعايير المجتمع.
تراجع دور قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري عن تقديم الأعمال الدرامية الهادفة، وترك الساحة لمن يفتقرون إلى الإبداع، رغم أن معظم الأعمال الدرامية الخالدة كانت من إنتاج التلفزيون المصري، حيث كان يطرح القضايا الاجتماعية بموضوعية، ويراعي معايير المجتمع، كما قدّم العديد من النجوم الذين أثروا الساحة الفنية.
لذا، لابد من إعادة الدراما المصرية إلى مسارها الصحيح، لتكون أداة لنشر الثقافة، وتعزيز القيم المجتمعية، وتشجيع الشباب من خلال أعمال هادفة. ويجب التصدي للفوضى الحالية التي تتمثل في إنتاج أعمال تفتقر إلى القيمة والهدف، والتي كان لها أثر بالغ في تشويه وعي الأجيال.
كما ينبغي وضع معايير واضحة تضمن الحدّ من هذا العبث المنتشر في معظم الأعمال الدرامية، حتى تستعيد مصر أحد أبرز عناصر قوتها الناعمة، التي لم يكن تأثيرها مقتصرا على الداخل فحسب، بل امتدّ إلى مختلف بلدان العالم العربي. فقد كانت الدراما المصرية، عبر تاريخها، تقدم رسائل بنّاءة، وتنقل صورة مشرّفة عن المجتمع المصري.
لا شك في أن صناعة الدراما والسينما تمثل قوة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، ولذلك ينبغي إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، واستغلال أدوات مصر الناعمة بما يعيد إليها ريادتها المعتادة، وصورتها الحقيقية. فمصر لم تكن يومًا موطنًا للبلطجة والجريمة، بل هي بلد الحضارة والثقافة والتاريخ العريق، الذي يستحق أعمالًا درامية وسينمائية تليق به، بدلًا من الإنتاجات الهدّامة التي تُسوَّق تحت شعار حرية الإبداع. فالإبداع الحقيقي هو القدرة على معالجة القضايا السلبية، لا الترويج لها.