بقلم ✍️ د. حنان سالم
(دكتوراة الفلسفة المعاصرة ـ جامعة العريش)
يهل علينا شهر مارس كل عام محملا بالاحتفالات والمناسبات التي تخص المرأة سواء علي المستوي المحلي أو العالمي.
يبدأ هذا العام بشهر رمضان المعظم وينتهي بعيد الفطر المبارك فبدايته عيد ونهايته عيد، بالإضافة إلى يوم ٨ مارس يوم المرأة العالمي، و٩ مارس يوم الشهيد ، و١٠ مارس العاشر من رمضان الذي يشهد انتصارات أكتوبر، فضلا عن يوم ١٦ مارس يوم المرأة المصرية و ٢١ مارس عيد لكل الأمهات، جميعها مناسبات واحتفالات مبهجة ومفرحة لمن يستطيع مواكبتها والإحتفال بها.
ولا نبالغ إذا ماقلنا أن كل يوم هو عيد للمرأة، عيد للأم احتفاء بحضورها المميز في المجتمع والحياة بأسرها.. وفي عيدك كل عام وكل لحظة وأنت ( أم.. وأخت.. وابنة) بخير وسلام نفسي وروحي.. كل عام وأنتن عظيمات، مناضلات، ومجاهدات في كل معارك الحياة. وكل عام وأنتن الموطنَ المعنويَّ، والوجدان الساري في كِيان الأمة، لقد كنتن وستبقين هوية الأمة، ومقياسَ رقيها. فبغيابكن تغيب الشمس عن الدنيا فتصبح ظلاما حالكا.
فمنذ بدء التاريخ وحتي يومنا هذا لم تفقد المرأة رونقها وبريقها، فهي شعلة نشاط وجهد ومثابرة، “سنديانة” الأسرة وعمادها وقفت بجانب الرجل يدا بيد، وهي نصف المجتمع الأول، والمنتج والداعم والحامي للنصف الآخر .. فقد كرمتها جميع الحضارات ومتعتها بحقوق سياسية واجتماعية واقتصادية عدة . كما كرمتها الحضارة المصرية القديمة وأبرزت دورها في المجتمع في مختلف المجالات فكانت الأم والطبيبة والوزيرة والملكة ولها كامل الحقوق والمساواة بالرجل ، بالإضافة إلى مشاركتها لزوجها في الحياة وذلك من خلال مساواة تماثيلها بتماثيل الرجل كما في تمثال الملكة نفرتيتي وغيرها دليلا علي رفعة قدرها ودورها الذي لايقل عن الرجل. وقد قدمت وما زالت تقدم أدوارا مهمة فى تشكيل ماضى وحاضر ومستقبل الأوطان.
كما أولتها جميع الأديان السماوية مكانة ورفعة خاصة، و جعلت لها حقوق ومزايا تعلي من شأنها وتحفظ لها كرامتها، فقال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي، ما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم.”
وقال عنها الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف : ” إن المرأة هي مفتاح الحياة ولبنة بناء الأوطان ونبع العطاء الذي لا ينضب فهي خُلقت لتُكرم، فهي الحرب إغاثة وفي السلم تعافي”.
وتشهد العقود الأخيرة في عصرنا هذا تحولات حضارية عالمية غير مسبوقة، امتد تأثيرها ليشمل مختلف جوانب الحياة بما في ذلك المرأة..
وحدثت طفرة غير معتادة في تعزيز مكانة المرأة وتمكينها في جميع القطاعات، وفي مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث ارتفع تمثيلها في المناصب القيادية ومجالات صنع القرار إلي ٣٥% علي مستوي العالم وفقا للأمم المتحدة.
أما عن المرأة المصرية فقد أثبتت عبر التاريخ أنها عنصرا أساسيا في تنمية المجتمع ونهضته، سواء علي مستوي المشاركة في الحياة السياسية أو العامة من خلال دورها الفاعل في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ولا ريب أن دعم المرأة وتمكينها في مختلف المناصب – تمثيل النساء في مواقع صنع القرار – يعكس قوة السياسة الوطنية وحكمتها، ويظهرها في صورة راقية، متطورة وصحية، فهي مسؤولية والتزام وطني يسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية وحفظ الاستقرار و التوازن المجتمعي.
وأما غيابها عن البيئة السياسية ومراكز صنع القرار، فيه ما يعوق تحقيق المساواة الجندرية والتنمية المستدامة. مما يؤدي إلى قرارات أحادية لا تعكس احتياجات المجتمع بأكمله، وتصبح السياسات متحيزة وغير ممنهجة.
واحقاقا للحق يعود الفضل للإرادة السياسية الداعمة والإصلاحات التشريعية التي عززت حقوق المرأة المصرية ومكانتها، وخاصة بعد أن جعل الرئيس السيسي عام ٢٠١٧م عاما للمرأة، وأطلق على نساء مصر ” عظيمات مصر”، تقديرا لقيمتها وحجم التضحيات التي قدمتها والتحديات التي واجهتها عبر السنين. كما قام بإنشاء متحف للمرأة المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة لحفظ تراثها، وجهود تمكينها على مر العصور.
ولا يسعني في هذا الصدد أن اسرد جميع أسماء وإنجازات عظيمات مصر اللاتى خضن معارك الحياة، و مهدن طرق العلم والعمل والتميز والإبداع لمثيلاتهن وللاخريات في الأجيال المستقبلية. فالاسماء كثيرة بدء بالمناضلات هدي شعراوي وصفية زغلول، وسيزا نبراوي، مرورا ب المعلمات حكمت أبو زيد ونبوية موسي، سميرة موسي، وروزا اليوسف، إلي الوزيرات الحاليات الدكتورة نيفين القباج، هالة السعيد، نيفين يوسف، ياسمين فؤاد، رانيا المشاط، انتهاء باستاذات الجامعات منهن الدكتورة يمني الخولي أستاذ فلسفة العلوم جامعة القاهرة، الدكتورة ناهد مصطفي أستاذ الطب الشرعي والسموم جامعة قناة السويس.
وللمرأة المصرية دورها فى الحياة والذى كان مقتصرا على الزواج وخدمة الرجل وتربية الأبناء ورعاية شؤون المنزل، أما الآن فهي من حملت وربّت وتفوقت وابدعت وألهمت وقادت وحملت هموم الوطن على عاتقها، وقدمت في سبيل رفعة الوطن وسلامته فلذة كبدها وزهرة عمرها، هي أم الشهيد الصابرة، والزوجة الداعمة وقت الشدة، والأخت الفاضلة، والإبنة التي تملأ الدنيا سعادة وبهجة متطلعة لبناء غد مشرق لبلادنا.
وما يزال ملف تمكين المرأة شائكا في عصر التغيرات المتسارعة، فكل يوم شيء جديد سواء علي المستوي المحلي أو العالمي للمرأة ودورها في بناء المجتمعات حيث تحظى في بعض البلدان بإحترام وتقدير . بينما في بلدان أخري مازالت تناضل من أجل المساواة والحماية من كل أشكال العنف والتمييز، والحقوق المفقودة. وهذا ما سنتناوله في مقام آخر.
كل التقدير والاعتزاز بكنّ جميعا اليوم وكل يوم..
وفي عيد الأم، نحتفل بقوة وإصرار بكل أم وامرأة عظيمة تصنع التغيير، تواجه التحديات، وتضيء طريق الأمل.. في حياة أسرتها ومجتمعها.