بقلم ✍️ د.خلود محمود
(مدرس الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للدراسات الأدبية بكينج مريوط والمحاضر الزائر لليونسكو)
لا شك أن الفن أحدي أدوات تشكيل القوة الناعمة في أي مجتمع عامة وفي المجتمع المصري خاصة فقد رسم الفنانون علي مر عهود كثيرة صور مميزة بفنهم عن الحضارة المصرية والتراث المصري الارستقراطي والشعبي علي حد سواء في كل أذهان العالم وجذب ذلك المليارات من حول العالم لمشاهدة مصر وعظمة تراثها ورسم صورة ذهنية عن مصر في أذهان افراد المجتمع الاقليمي والدولي وارتبطوا بمصر ارتباط عاطفياً يجعلهم يشعرون بالحزن عقب أنتهاء إجازتهم وعودتهم لبلادهم وهو ما يفسره مفهوم القوة الناعمة الذي يعني القدرة علي الحصول علي ماتريد عن طريق الجذب والاقناع بدلاً من القسر والارغام ، وهو ما تفعله الدراما والفنون فهي تعمل بتجسيدها الواقع المصري ونقلها لصورته المميزه علي جذب المليارات لمصر وعظمتها.
وقد تجلي ذلك واضحاً في الخمسينات والستينات من القرن الماضي فقد استخدم الرئيس جمال عبدالناصر أدوات السينما والفن انذاك ببراعة شديدة جعلت كل العالم بأثره يتحدث عن الثورة المصرية ويخلدها ويري مصر بعين أخري من خلال فنانيها وهو ما أضاف للقوة الناعمة مكانة كبيرة تماثل الأهمية الاستراتيجية لمصر واستمر الفن في ذلك لعقود كثيرة فنري أم كلثوم وعبدالحليم والسندريلا وأعمال نجيب محفوظ والكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة الأديب صاحب الأعمال الدرامية ذات الطعم والتذوق الخاص، ونجد تحديدًا فى عشرينيات القرن أسماء لامعة مثل: نجيب الريحانى وعزيز عيد وطه حسين والعقاد وحافظ ابراهيم ويوسف وهبة، وكان هؤلاء حقيقة من الممكن أن يستغنوا فى بعض الأحيان عن أموالهم الشخصية ومدخراتهم، فى مقابل إحياء عمل فنى لكى تُنشر ثقافتهم وتصل فكرتهم فى أرجاء المجتمع كافة و كانت السينما حينها تخاطب الطبقة المتوسطة، وكانت الطبقة العليا حينها تذهب للأوبرا والباليه، وكان هؤلاء الفنانين الكبار يساعدوا على نشر الوعى الثقافى للمصريين كافة فهو حق من حقوقهم وكانت الأعمال الدرامية في التلفزيون ذات فكر هادف منها التربوي ومنها الثراثي والحضاري وأغلبها الثقافي والتاريخي.
ولكن سرعان ما انقلب الحال بحلول القرن الحادي والعشرون ولم تستمر القوة الناعمة بالفن كعنصر مهم من عناصرها لمصر علي نفس الوتيره فأصابها التراجع لأسباب كثيرة لعل أهمها يكمن في انتاج اعمال درامية لا تمت للواقع المصري بصلة أعمال فحواها القتل والبلطجة والالفاظ البذيئة أعمال تهدم أخلاق مجتمع بدلاً من أن تبنيه وتنقل صورة سلبية عن مصر وعن الحارة الشعبية والأفراد البسيطة الذين يعيشون بها أعمال قد تكون سبب من أسباب انتشار البلطجة والقتل وترسيخ أفكار لارتكاب جرائم مماثلة لدي ضعاف النفوس فمصر لم تكن يوماً بتلك السلبية والبلطجة التي تتناقلها تلك الأعمال عنها ولم يكن مظهرها بذلك الذي تجسدها الدراما فثقافة مصر في الجمهورية الجديدة قد ازدهرت أكثر بأ فتتاح المتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط، وافتتاح طريق الكباش في مدينة الأقصر، وبناء العاصمة الإدارية الجديدة بناء على معايير معمارية وتكنولوجية وبيئية عالمية، وعقْد العديد من المؤتمرات العالمية والإقليمية والعربية، مثل مؤتمر الأمم المتحدة المعنيّ بتغير المناخ في شرم الشيخ (COP27) خلال شهر نوفمبر 2022 وهو ما يؤكد علي أن عظمة مصر مازالت مستمرة ومازال هناك الكثير تجسدها السينما ..
ومما لا شك فيه أن ممارسة القوة الناعمة بمعني القدرة علي الجذب والتأثير تتوقف علي جودة المؤسسات الاعلامية في الدولة وقدرتها علي تقديم أعمال فنية وأدبية مميزة ، وهو ما رصدته القيادة السياسية وجعل الرئيس السيسي بنفسه يتدخل لتستعيد مصر قوتها الناعمة وتصحح مسارها وتبني أجندة وطنية أشرف بنفسها علي اختيارها ليعاد المسار الصحيح للفن الهادف.
وتقدم المؤسسات الاعلامية والانتاجية فن حقيقي يهتم بنشر الأعمال الثرية ذات الفكرة والابداع لتعزز دور الفن في تشكيل الوعي الجمعي المصري واستعادة الصورة الذهنية الحقيقة عن مصر وحضارتها وتراثها القديم والحديث أمام العالم أجمع فضلًا عن إيلاء اهتمام أكبر لإنتاج المزيد من الأعمال الدرامية التي تتناول السير الذاتية لعظماء مصر، وملاحم بطولات شعب مصر وواقع حياته بالفعل وتعكس حضارتها الحديثة التي تشيدها مصر بسواعد أبناءها ، وتساعد علي بناء المجتمع وتهتم بالنشئ وبكل مشهد يترسخ في عقل الجماهير .