ذكرياتي في رمضان 🌙
ومع النفحات الروحية العطره لشهر رمضان المبارك يفوح شذا عطر الإيمان وتحلو الذكريات الجميلة لشهر الصوم .. وعبر بوابة الجمهورية أون لاين عبر نافذة “المساء” يتجدد اللقاء كل يوم مع رمز من رموز أبناء مصرنا الغالية من العلماء والمفكرين والأدباء والإعلاميين وأساتذة الجامعات ورموز العمل الإجتماعي والسياسي.
🌄
ذكريات القيام والعشر الآواخر ..لا تنسي
بقلم✍️ د. حنان سالم
(دكتوراة الفلسفة المعاصرة – جامعة العريش )
يهل علينا رمضان كل عام وكأنه ضيف مرتقب ضيف روحاني له سحر الاستقطاب والجاذبية ضيف لا تحب أن يرحل، تفضل مجالسته والحديث عنه والسهر فيه للاستمتاع بفضائل الذكر والايمانيات. نحتفي بقدومه باستحضار النية ونقاء السريرة وإعداد الهمة، فنستقبله بالتحضيرات بتهيئة البيت وإعداد كل ما لذ وطاب من مأكل وملبس وشراب، تهيئة روحانية لاستقبال الضيف الكريم، والصديق الحميم.
ورمضان شهر الرحمات والغفران وهو الشهر المبارك الذي وعد الله فيه بالمغفرة والرحمة والتوبة من الذنوب فيكون معنا عفو كريم وله مذاق خاص في العبادة والصلاة فضلا عن المذاق الخاص في الطعام
كل يوم في رمضان له ذكري خاصة بمذاق خاص بداية من ليلة استقبال شهر رمضان وحتي العشرة الأواخر. فمنذ أن كنا صغارا يلازمنا شعور بالابتهاج الغامر والفرحة المفرطة مع العائلة لاستقبال الضيف الكريم من بعد آذان العصر وحتي صلاة العشاء.
الضيف خفيف الظل والروح نأبي رحيله ونود لو أن طوال العام هو رمضان شهر الخير والبركات شهر المغفرة والرحمات
ولكن ترتبط ذكريات رمضان عندي والتي استمرت لسنوات بذكرتين الأولي تجمع بنات العائلة صغيرات وكبيرات الصلاة التراويح في منزل والدتي والكل مهيأ للصلاة بالملبس الجديد ” الاسدال” وتحمل كل واحدة منهن سجادة خاصة بها ومصحف مناسب لها كما يحملن أطباق الحلويات ” قطافية وكنافة” للإمام والكل يجري ليقف في الصف الأول مع الإمام وهو “العبد لله ” فقد كنت الإمام لنساء العائلة لسنوات، من منطلق أن الله قد مني بإجادة قراءة القرآن وأحكام التجويد.
وبعد الصلاة أسمع من أمي وعمتي الدعوات الجميلة مع العتاب علي التطويل في الصلاة لأنهما كبرا في السن ولا يستطيعا الوقوف أو السجود طويلا ثم يطلبنا مني الإطالة في الدعاء فأبتسم وأقول ” هتقفوا كتير بردوا “، وعلي النقيض الاخريات من بنات العائلة والاطفال يطلبن مني الإطالة في السجود ليشعرن بالخشوع في الصلاة، ثم اعتدنا لنتذوق أطباق الحلويات التي صنعنها بأيديهن لتفوح أجواء من المرح والبهجة الرمضانية بعد القيام.
هكذا كانت أيام رمضان قبل أن انتقل إلي الصلاة في المسجد مع صديقة عمري وزميلتي في العمل، وهي الذكري التي لا أنساها ماحييت في رمضان والتي ارتبطت بارتياد مسجد الدوحة بالإسماعيلية لعدة سنوات كنا نخطط دوما لهذا اللقاء الروحي في العشرة الأواخر في رمضان، نختار الأيام الفردية تيمنا بليالي القدر، فكنا نتوجه إلي المسجد سويا بعد المغرب لنصل قرب أذان العشاء فنصلي العشاء والقيام “صلاة التراويح”، وكنت اتلمس رائحة رمضانية روحية في الصلاة بالمسجد، فالكل مبتهج كبارا وصغارا، والكل يجاهد في الدعاء ويتحري الإجابة، وحتي الأحاديث الجانبية عن الإستغفار والايمانيات فضلا عن أحاديث النساء بطبيعة الحال عن إفطار اليوم التالي، ثم نجلس لصلاة التهجد التي يستعد لها المصلين بالوضوء والاستغفار وتحري الدعاء ورجاء القبول، ثم نصلي الفجر. ولكن كنت أنام في المسجد بعد صلاة التراويح إلي قبيل السحور وكانت صديقتي تتعجب مني وتقول يابنتي نحن نأتي للصلاة في ليالي القدر ندعو ونطلب الاستجابة من الله وأنت تأتي لتنامي حتي بعد الفجر فكنت أضحك وأقول ” أنام من التعب” فقد كنت أعمل حتي المساء وأعود للمنزل قبل الإفطار بوقت قصير.
أما عن صلة الرحم والتجمع العائلي، كانت تمثل لي فرحة كبيرة تختلف عن الأيام الأخرى في التجمعات العائلية، تثير بداخلي شجون خاص، يقوي الإيمان الداخلي ويشعرني بتقوية الأواصر وترسيخ العادات والتقاليد الاجتماعية، فضلا عن حرص الجميع علي إقامة الشعائر الدينية، بنشر المحبة والتسامح والتعايش السلمي بين أفراد العائلة.
ولا أنسي الذكريات الجميلة مع أمي رحمة الله عليها في حرصها علي الصلاة، والذكر والدعاء الجميل لأبنائها، والمعاملات الحسنة. وكان لها عادة يومية طيبة في رمضان، فقد اعتدنا تناول الإفطار يوميا مع أسرة أخي الأكبر الذي يقيم بالطابق الأرضي بينما أمي في الطابق الثاني من المنزل، وبكل حب تصر علي تحضير طعام الإفطار في منزلها والنزول به للإفطار مع إبنها الكبير.
وتكون مبتسمة عند حمل الطعام والتمر والعصير ليتذوق الجميع من لمسة يديها، وبالفعل الكل في الأسرة يتحري طعام ” تيتة ” لأن له مذاق شهي ومختلف.
يرحل رمضان كل عام ويتوق القلب إليه من جديد، فلا يكاد ينتهي الشهر الفضيل فنأبي ألا يرحل وأن تصبح كل شهور السنة رمضان وكل الأيام بهذا الروتين الروحاني الذي نستمتع به يوميا ولا نمل ولا نكل، بل ينتابنا شعور من الأمل وحالة من النشاط وفرحة لا توصف وكأنه عيد لا يضاهيه أية فرحة في الحياة، كل شيء في هذا الشهر مختلف له مذاق خاص بطعم المتعة صوم وصلاة وقيام وطعام، زيارة الأقارب والأصدقاء محبة ومتعة لا تصفها الكلمة بل تحتاج إلي المعايشة والممارسة للشعور بلذة وصفه.
وختاما جعلنا الله وإياكم ممن وفق لاغتنامهِ، ورزق حلاوة صيامه، وقبول دعواته كل عام وأنتم بخير.