»» صورة العرب في الإعلام الدولي تواجه أخطر التحديات وتعكس وجها مظلما من أوجه التدفق الاتصالى
»» التفاعل الفكرى ممارسة حضارية نأخذ فيها من العالم ونعطيه، ضمن ضوابط ديننا وأخلاقنا ومجتمعنا وثقافاتنا الخاصة
»» آن الأوان لتشكيل رؤية موحدة تحمل رغبة مشتركة فى التغيير الحتمى، والمشاركة النشطة للإعلام العربى والإسلامي
في ضوء رصدها الأكاديمي والبحثي لمختلف قضايا وتحديات الاتصال المعاصرة وصورة العرب في إطار منظومة الإعلام الأممي المعاصر متعددة الأبعاد قالت الدكتورة حنان يوسف أستاذ الإعلام الدولي بجامعة عين شمس ورئيس المنظمة العربية للحوار: تعد الشخصية العربية والوطن العربى من أكثر الشخصيات عرضة للتشويه، ومحاولة لخفض قيمتها الحقيقية، كما حددها علماء الاجتماع، فليست هناك شخصية قومية أحيط بها وضيق عليها الخناق من خلال حملة ثقافية مخططة ومدروسة لتشويه معالمها الرئيسية وخفض قيمتها مثل الشخصية العربية..
وأضافت: أنه تم التركيز عليها منذ مرحلة الغزو الاستعماري الغربى للعالم العربى والتى بدأت في القرن التاسع عشر، واستمرت حتى النصف الثانى من القرن العشرين، وخاصة حينما يتعلق الأمر بالمعالجة الاتصالية للقضايا العربية والتى غالبا ما تعكس وجها مظلما من أوجه التدفق الاتصالى.
وقالت د.حنان في حديث لها مع “بوابة الجمهورية والمساء “أون: إن إلقاء نظرة على خريطة التدفق الإخباري فى العالم العربى داخليا وخارجيا يكشف لنا مدى النفوذ الهائل الذى تمارسه وكالات الأنباء العالمية في تشكيل صورة الحياة السياسية والاقتصادية والصورة الذهنية عن الشعوب العربية، ومدى تشويه هذه الصورة في أذهان الرأي العام.
فالأمة العربية تواجه الآن أخطر تحديات تاريخها الحديث حيث يقابلها تصعيد من هجمات الإمبريالية والصهيونية الشرسة التى تستهدف إتمام ابتلاعها في وعاء التبعية للغرب، بل وتصورها في ضعف وتخاذل كنتيجة لسمات أساسية في الشخصية العربية.
وتابعت د.حنان : مثال ذلك الكاتب الأمريكي الصهيونى الاتجاه “رافائيل باى” في كتابه العقل العربى ARAB MIND والذى وصف الشخصية العربية بسمات اللامبالاة والتواكلية واجترار الماضى، وهدفه الرئيسى من ذلك تحقير العدو الذى هو بنظره يشمل كل العرب مهما تعددت جنسياتهم، وهى صورة كاريكاتورية تصور العرب كشعب خاص لا يملك سوى الصفات السلبية، بينما اليهود أيضا شعب خاص يملكون الإيجابية والتفوق، وهذه الصفات السلبية التى أطلقها الكاتب على العرب، وفقا لنظريات العلوم الإنسانية والانثربولوجيا وعلم الاجتماع، هى صفات من المنطقى أن تتواجد في بعض الفئات في كل المجتمعات العربية منها والغربية المتقدمة أيضا، فهناك حملة من التيار المعادى يواجه خريطة العالم المحيط بنا، وهذا التيار المعادى هو ذلك الذى ينطوى على مجموعة من القيم المتناقضة مع هويتنا الثقافية وتعمل على تحطيم مجموعة القيم والتقاليد التى تحدد معالم الشخصية العربية.
كما أشارت إلى أن مضمون هذه الأخبار سلبى عادة، إذا ما تعلق الأمر بالدول النامية أو بالدول العربية، فعلى حد تعبير أحد باحثى الاتصال العرب في وصفه للتغطية الغربية للعالم العربى: “شعوبنا وبلادنا تقدم إلى العالم العربى في قوالب محددة، فلازلنا نركب الجمال، ولا يوجد لدينا سوى الرمال أو البترول إذا ما تعلق الأمر باقتصادهم”.
كما أشارت إلى أن الثقافة الذاتية للدولة هي هويتها الوطنية التى لا يجوز السماح بتشويهها أو تطعيمها بثقافات هجينة، فهناك فارق كبير ما بين الغزو الفكرى والتفاعل الفكرى.
فالغزو الفكرى هو عملية استعمارية عدوانية تسلطية لاشك فيها، وهو ما يتوجب علينا أن نحاربه.. أما التفاعل الفكرى فهو ممارسة حضارية نأخذ فيها من العالم ونعطيه، ضمن ضوابط ديننا وأخلاقنا ومجتمعنا وثقافاتنا الخاصة.
وإذا كان هناك من يحاولون الخلط بين الاثنين لتضليلنا عن حقيقة الغزو الفكرى وإبرازه كتفاعل حضارى، إلا أن هناك فارقا كبيرا بينه وبين التبادل الثقافى الذى هو ضرورة حتمية فى ظل الحضارات المختلفة وهو يقوم على الانتقاء الحر فلا ضرر منه ولا خطر ،وإنما مصلحة وفائدة.
وتعد الذاتية الثقافية هى القوة التى تحرك المجتمعات البشرية وتؤدى إلى تماسكها وتدفع به إلى النضال ضد أية قوة خارجية تحاول السيطرة عليها، وهى التى تحاول تعبئة موارد المجتمع والاتجاه به إلى الأفضل، ومن ثم فإن الحفاظ على الذاتية الثقافية في مواجهة التحول إلى نمط عالمى موحد أصبح ضرورة ملحة ومسئولية تضطلع بها وسائل الاتصال المختلفة، وإلا سوف يعرض ذلك الأجيال الجديدة إلى خطر الاغتراب ورفضها لمجتمعها وثقافاتها وفقدان الثقة، وبالتالى عدم الالتزام الاجتماعى.. فنظام الاتصال العالمى الراهن كما وصفه “المصمودى” هو نوع من بقايا الاستعمار السياسي والاقتصادى والثقافى، وينعكس على تفسير الأنباء المتعلقة بالبلدان النامية، حيث إن مظاهر التفاوت والتجاوز أقامت الدليل على أن الاتصال لم يوظف لخدمة الأهداف النبيلة التى أوكلت إليه لتحقيق السلم والعدل وتدعيم التعاون بين الشعوب والدول.
وأردفت د.حنان يوسف أن هناك حقيقة تبرز أمام باحثى الاتصال الدولى وهى أن الجزء الجنوبى من العالم وفى قلبه العالم العربى مستهدف في المقام الأول، بل ويمثل الساحة الرئيسية لكل أشكال الاختراق الأنجلو أمريكي فرنسى، فالغزو الثقافى للوطن العربى لم يتخذ شكلا واحدا عبر تاريخه الطويل بل تجسد في ممارسات وأشكال متنوعة لعل أكثرها رسوخا في المرحلة الراهنة أسلوب الاستعمار الاقتلاعى والاستيطانى في فلسطين، والذى توسع باحتلال مناطق عربية أخرى ويعبر عن نفسه ثقافيا بكل صورة.
ومن جانب آخر نجد أن الأمة العربية تواجه الآن أخطر تحديات تاريخها الحديث حيث يقابلها تصعيد من هجمات الإمبريالية والصهيونية الشرسة التى تستهدف إتمام ابتلاعها في وعاء التبعية للغرب.
وهناك حقيقة تبرز أمام باحثى الاتصال الدولى وهى أن الجزء الجنوبى من العالم وفى قلبه العالم العربى مستهدف في المقام الأول، بل ويمثل الساحة الرئيسية لكل أشكال الاختراق الأنجلو -أمريكي فرنسى، فالعالم العربى إن جاز التعبير بين فكى الرحى (القطبين الأمريكي والأوروبي) كل منهما تسعى إلى السيطرة عليه واختراقه وشحذ كل الإمكانيات.
لذلك هناك علاقة بين الصور النمطية وكثير من جوانب السلوك، فالصورة ترتبط بالقضايا المختلفة ومنها القضايا السياسية، وتحدد الصور عموما كيفية النظر إلى الأمور المختلفة ففهم السياسات المختلفة بالنسبة لمن ينتمى إلى ثقافة أخرى كثيرا ما يشوبه عدة مؤثرات منها الميل إلى الثقافات الأصلية التى ينتمى إليها، بالإضافة إلى أنها تساهم فى تحديد صور الثقافات الأخرى، وتؤثر الصور عموما فى صناعة السياسة الخارجية، فالصور الوطنية ذات دلالة معينة فى عملية صناعة القرارات وهذا يرتبط بالقيم والمعتقدات السابقة والتى تبدأ مع التنشئة.
وقد نجحت الدعاية المضادة فى تقديم صورة سلبية عن العرب منها: أن العربى مغامر وجبان يتسم بالجشع له عيون زائغة، وأن العربى إرهابي بربرى لا قيمة لحياة الإنسان وكرامته لديه ،وأن العربى مسرف وثرى وجاهل ويركض باستمرار لاصطياد النساء، وأن العربى ضعيف ولا يستحق ما يملك.
وهى مرتكزات وادعاءات مشوهة تقوم على عناصر الاختلاف الثقافى والقيم والمعتقدات وذكريات الصراع الدينى والحروب الصليبية فى العصور الوسطى، فلقد تمكنت الدعاية المضادة وبعض إمكانياتها الضخمة أن تساهم فى خلق هوة اتصالية بين العرب والغرب، إذ أن الدول الغربية تتحكم أساسا فى الاتصال الدولى.
ويلاحظ أن التغطية الإخبارية للاتصال الدولى الغربى تعكس بأشكال مختلفة السياسات الخارجية الغربية إزاء العالم العربى ومعادلة القوى العربية والمؤسسات العربية، وكل ذلك يساهم بشكل كبير فى تفسير التشويه المرتبط بالصورة النمطية العربية.
كما أشارت د. حنان يوسف إلي أن جذور الصورة النمطية المشوهة عن الإسلام والعرب فى العقل الغربى تعود إلى القرون الأولى لظهور الدين الإسلامي، حيث تكونت خلال القرون الممتدة صورة مزيفة عن الإسلام والعرب.
وقد لخص المفكر الكاتبة “السيد يس” فى كتابه “الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر” تطور هذه العلاقة التاريخية والحضارية فى أربع مراحل هى:
ـ مرحلة الفتح العربى فى القرن السابع والثامن للقارة الأوروبية، حيث أغرقت اللغة والحضارة العربية أوروبا.
ـ مرحلة الحروب الصليبية والتى اعتبرت ضربا من ضروب الثأر لأوروبا من العرب.
ـ مرحلة الغزو الاستعمارى فى بداية ق.19 ونتج عنه احتلال العالم العربى المطل على البحر المتوسط.
ـ مرحلة ما بعد الاستعمار ما بين الطرفين، ويظهر فيها كل طرف باعتباره حراً وله حقوق مثل ما للآخر تماما.
ويمكن القول أنه قد آن الأوان من أجل تشكيل رؤية موحدة تحمل رغبة مشتركة فى التغيير الحتمى، فلا يستطيع الإعلام العربى والإسلامي أن يقف موقف المتفرج، بل يتعين أن يكون له دور فى المشاركة النشطة مع الأسرة الدولية مما يعزز مصالحه وقضاياه، فالعقدة والحل فى برامجنا نحن إلى حد كبير، لذلك ينبغى أن نتجاهل بوعى النوايا الخبيثة فى برامج الآخرين، ونسعى نحو تطوير إنتاجنا الإعلامي نحن بمواد متجددة وجذابة وقادرة على المنافسة، بالإضافة إلى ضرورة فهم الآخر وتطوير الذات وتقدير المبدعين مع توفير مزيد من الحرية لهم، وبذلك تتشكل العناصر اللازمة لبناء الدرع الواقى للعروبة من خطر العولمة.
وبعد فإنه يتبقى أمام الجميع الاعتراف بأن التراث الحضارى العظيم للإنسانية لم ينتج إلا عن التعدد الثقافى والإبداعات الإنسانية فى مختلف المجالات، وأن الحضارات لم تتوقف قط عن التفاعل طوال تاريخ الإنسانية على الرغم من الصراعات وعدم الاتفاق، فالحوار بين الحضارات هو الأداة الملائمة لتحقيق تفاعل بناء وتعاون فعال بين الدول والحكومات ومع ضمان مشاركة كافة فعاليات المجتمع المدنى فى التنمية الثقافية والمعنوية للمواطنين، وأن التحديات التى تواجه المجتمع الدولى الآن تتطلب توظيف كافة الإمكانات المتاحة لديها، وفى مقدمتها التعددية الثقافية، إذ لن يكون بالإمكان صياغة مستقبل افضل للبشرية إلا عن طريق المشاركة المتساوية بين كافة الأمم وفي مقدمتهم العرب تاريخاً وشعوبا وحضارة، لخلق السلام والتسامح والتقدم للجميع.