»» دراسة علمية وفق الرؤية النبوية والحقائق الحديثة
بقلم ✍️ د. فراج خليل الصعيدي
(أستاذ الچيولوچيا ـ الباحث في شؤون الإعجاز العلمي للقرآن والسنة)
من الظواهر التي أخبر بها نبينا ﷺ ضمن علامات اقتراب الساعة، ظاهرة “تقارب الزمان”، حيث يشعر الإنسان بأن الأيام تمر بسرعة أكبر مما كان عليه الحال في الأزمان السابقة. هذه الظاهرة التي وردت في الحديث الشريف تبدو اليوم أكثر وضوحًا، وكلنا يعيشها، مما يثير تساؤلات علمية حول طبيعتها وأسبابها المحتملة.
في هذا البحث، سنستعرض الحديث النبوي الشريف ونحلله من منظور علمي، لنرى كيف يتجلى الإعجاز العلمي في هذا التنبؤ الدقيق.
● أولا: النصوص النبوية حول تقارب الزمان:
روى الإمام أحمد والترمذي عن النبي ﷺ قوله:
“لا تقومُ الساعةُ حتى يتقاربَ الزمانُ، فتكونُ السنةُ كالشهرِ، ويكونُ الشهرُ كالجمعةِ، وتكونُ الجمعةُ كاليومِ، ويكونُ اليومُ كالساعةِ، وتكونُ الساعةُ كاحتراقِ السَّعفةِ”(رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني).
وفي حديث آخر متفق عليه: “يتقاربُ الزمانُ، وينقصُ العملُ، ويُلقى الشحُّ، ويكثرُ الهَرْجُ”.(رواه البخاري ومسلم).
هاتان الروايتان تشيران إلى أن الزمن سيبدو وكأنه يمر بسرعة فائقة قبل قيام الساعة، مصحوبًا بانشغال الناس وقلة البركة في الأعمال، وانتشار الفوضى والقتل.
● ثانيا: التفسيرات العلمية لتسارع الزمان:
١. التفسير النفسي والاجتماعي: عصر السرعة وانشغال الإنسان
• مع التقدم التكنولوجي، أصبح الإنسان أكثر انشغالًا بوسائل الاتصال، وأصبح الإيقاع السريع للحياة يستهلك وقته دون أن يشعر، مما أدى إلى إحساسه بتسارع الزمن.
• دراسات علم النفس تشير إلى أن الزمن يبدو أسرع عندما يكون الإنسان منشغلًا في أعمال كثيرة ومتكررة.
• كثرة الفتن والمشاكل اليومية تستهلك وقت الإنسان دون أن يدرك كيف مرَّت الأيام، وهو ما يتوافق مع ما جاء في الحديث عن “نقص العمل وكثرة الهرج”.
٢. التفسير الفلكي: تمدد الكون وعلاقته بالزمن
• وفقًا لنظرية تمدد الكون، فإن الفضاء الكوني يتوسع منذ الانفجار العظيم، ومع هذا التوسع، هناك افتراضات بأن ذلك قد يؤثر على طبيعة الزمن.
• بعض الدراسات الفلكية تشير إلى أن اتساع الكون قد يؤثر على تدفق الزمن، لكن هذه النظرية لا تزال قيد البحث.
٣. التفسير الفيزيائي: نظرية النسبية لأينشتاين
• تنص نظرية النسبية لألبرت أينشتاين على أن الزمن ليس مطلقا، بل يمكن أن يتمدد أو يتقلص وفقا للسرعة والجاذبية.
• على سبيل المثال، عند السفر بسرعات قريبة من سرعة الضوء، يمر الزمن أبطأ بالنسبة للمسافر مقارنة بمن هو على الأرض.
• رغم أن هذه الظاهرة ليست محسوسة في الحياة اليومية، إلا أنها قد تفسر كيف يمكن أن يتغير إدراك البشر للزمن في ظروف كونية معينة.
٤. تأثير التكنولوجيا على الإدراك الزمني
• التطور التكنولوجي أدى إلى تسارع نقل المعلومات، مما جعل الأحداث اليومية تتراكم بسرعة، وبالتالي يشعر الإنسان بأن الأيام تمر دون أن يشعر بها.
• قبل اختراع الإنترنت ووسائل التواصل الحديثة، كانت الأحداث تستغرق وقتًا أطول للوصول إلى الناس، بينما اليوم، تصل الأخبار والتحديثات في لحظة، مما يخلق إحساسًا بتسارع الحياة.
● ثالثا: العلاقة بين الحديث النبوي والإعجاز العلمي
• الحديث لا يشير بالضرورة إلى تغير حقيقي في معدل مرور الزمن، بل إلى إدراك البشر له، وهذا ما نراه اليوم بوضوح.
• النبي ﷺ أخبر عن هذه الظاهرة قبل أكثر من 1400 سنة، في زمن لم يكن فيه أي من العوامل المذكورة أعلاه موجودًا، مما يثبت أن هذا التنبؤ ليس من اجتهاد بشري، بل هو وحي إلهي.
• ارتباط “تقارب الزمان” بقلة البركة في العمل وكثرة الفتن والقتل يؤكد أن الحديث ليس مجرد ملاحظة نفسية، بل تنبؤ دقيق بواقع أصبح واضحًا في العصر الحديث.
● خاتمة
الإعجاز العلمي في حديث “تقارب الزمان” يتجلى في تطابق ما أخبر به النبي ﷺ مع واقعنا اليوم، حيث يشعر الناس بأن الأيام تمر بسرعة، ويعيشون في انشغال دائم، مع زيادة القتل والفوضى كما ورد في الحديث. هذا يعكس فهمًا عميقًا لمستقبل البشرية، مما يثبت أن هذه الحقائق لم يكن من الممكن إدراكها قبل 14 قرنًا، إلا بوحي من الله عز وجل.
أسأل الله تعالى أن يجعله علما نافعا في مرضاته؛ وجزى الله تعالى عنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أهله.