بقلم ✍️ أ.د.مها عبد القادر
(أستاذ أصول التربية كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر)
يُعد الوعي الانتخابي أحد الركائز الأساسية لترسيخ الممارسة الديمقراطية وضمان نزاهة العملية الانتخابية، فهو وسيلة فاعلة لتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم السياسية بوعي ومسؤولية، فكلما تعمق إدراك الأفراد لأهمية الانتخابات ودور أصواتهم في إحداث التغيير، زادت قدرتهم على الاختيار السليم لممثليهم، بما يُحقق مصالحهم، ويدعم مسيرة التنمية المستدامة والاستقرار السياسي، فالانتخابات ليست مجرد إجراء شكلي، بل تجسيد حقيقي لإرادة الشعب، وأداة لرسم ملامح المستقبل وفق رؤية تستند إلى الوعي والمسؤولية.
ولا يقتصر الوعي الانتخابي على معرفة مواعيد الانتخابات وآلية التصويت، بل يتجاوز ذلك إلى استيعاب المعنى العميق والحقيقي للمشاركة السياسية، وإدراك أثرها المباشر في صياغة السياسات العامة، فالقدرة على التمييز بين الشعارات الجوفاء والبرامج الواقعية، واختيار المرشحين بناءً على النزاهة والكفاءة، تعكس مستوى الوعي السياسي للمجتمع.
كما أن تقييم البرامج الانتخابية بعقلانية وتحليل مدى واقعيتها وصدقها، مما يضمن اتخاذ قرارات مبنية على مصلحة الوطن بعيدًا عن التأثيرات العاطفية أو الضغوط الخارجية، مما يسهم في إرساء دعائم الحكم الرشيد القائم على اختيار واعٍ ومسؤول.
ويُعد بناء مجتمع مدرك لأهمية صوته الانتخابي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود مختلف الجهات، بدءًا من المؤسسات الحكومية، ومرورًا بوسائل الإعلام، وانتهاءً بالمؤسسات التعليمية والمجتمع المدني؛ حيث يُشكل الإعلام الهادف عنصرًا أساسيًا في نشر الثقافة الانتخابية من خلال تسليط الضوء على القوانين المنظمة للعملية الانتخابية، وإطلاق حملات توعية تستهدف جميع فئات المجتمع، مع التركيز على الشباب باعتبارهم القوة المحركة لمستقبل الحياة السياسية ونقل المعلومات بدقة ومهنية، يساهم الإعلام في تمكين الناخبين من اتخاذ قرارات جادة وصائبة في ضوء معلومات سليمة موثقة بعيدًا عن التضليل أو الاستقطاب غير الموضوعي أو التأثيرات السطحية.
وتضطلع المؤسسات التعليمية بدور جوهري في غرس الوعي الانتخابي لدى الأجيال الناشئة، عبر دمج التثقيف السياسي في المناهج الدراسية، مما يُسهم في تنشئة جيل يدرك حقوقه وواجباته الانتخابية، ويعي أهمية مشاركته في صنع القرار، وكذلك توفر الجامعات والمنتديات السياسية بيئة مثالية لتوسيع مدارك الشباب، من خلال الحوارات التفاعلية والندوات التوعوية التي ترسخ ثقافة المشاركة السياسية باعتبارها ركنًا أساسيًا في تحقيق العدالة والاستقرار والتنمية وتعكس إرادة شعبية حقيقية.
ويُقدم المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية دورًا محوريًا في نشر الوعي الانتخابي، عبر تنظيم ورش عمل وندوات تثقيفية تُعرف المواطنين بحقوقهم وواجباتهم السياسية، وتساعدهم على فهم الأنظمة الانتخابية وآليات الرقابة لضمان نزاهة العملية الديمقراطية، ومن خلال بذل هذه الجهود يصبح الناخب أكثر قدرة على التمييز بين الوعود الانتخابية الواقعية القابلة للتنفيذ وتلك التي تفتقر إلى المصداقية، مما يحميه من محاولات التلاعب بإرادته أو استغلال قضاياه لتحقيق مكاسب سياسية آنية قصيرة المدى ، ويضمن اختيارات واعية تساهم في تحقيق تطلعاته.
ويُمثل العزوف عن المشاركة الانتخابية تحديًا يستوجب التعامل معه بحكمة، إذ يؤدي الإحجام عن التصويت إلى إضعاف العملية الديمقراطية، ويتيح المجال لتمثيل غير دقيق لإرادة الشعب؛ ولذلك فإن ترسيخ الشعور بأهمية الصوت الانتخابي باعتباره وسيلة فاعلة للتغيير والإصلاح يُعد ضرورة ملحّة، ولا يتحقق ذلك إلا عبر بناء الثقة في المؤسسات السياسية، وضمان بيئة انتخابية نزيهة وشفافة تُشجع المواطنين على المشاركة الفاعلة، مما يُسهم في رفع نسب الإقبال على صناديق الاقتراع، وتؤكد شرعية العملية الانتخابية، وإفراز مخرجات سياسية أكثر تمثيلًا للإرادة الشعبية.
وعندما يُدرك المجتمع أن الانتخابات ليست مجرد حق، بل مسؤولية وطنية تفرضها ضرورة الحفاظ على المكتسبات الديمقراطية، فإن ذلك يؤدي إلى بناء مؤسسات سياسية أكثر استجابة لتطلعات الشعب، ويضمن تحقيق العدالة والمساواة، وهنا نؤكد أن تنمية الوعي الانتخابي ليس مجرد هدف مرحلي، بل استثمار في مستقبل الأوطان، ومسار لا غنى عنه لترسيخ الحكم الرشيد والتنمية المستدامة، حيث يصبح المواطن شريكًا حقيقيًا في صياغة قرارات بلاده وفق رؤية واعية وإرادة حرة مسؤولة ومستقبل واعد.