حذر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في مؤتمر المناخ بجلاسجو، من أن ثلاث مدن هي: ميامي، وشنغهاي، والإسكندرية، ستختفي في حالما لم يتم اتخاذ إجراءات لمنع ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض.
تحذير كارثي!
كما تعلم، فقد تكررت تحذيرات المنظمات الدولية من زيادة ارتفاع مستوى المياه في البحار والمحيطات، مما يؤدي إلى إغراق مساحات هائلة من المناطق الساحلية كالإسكندرية ومدن الدلتا، بحيث يلجأ الملايين من أبناء تلك المناطق إلى الهجرة.
مصر – في تقديرات الخبراء العالميين – من بين الدول المعرضة لخطر ارتفاع منسوب مياه البحر، بحيث تغرق دلتا النيل. فضلًا عن أن النيل سيفقد 80% من موارده.
يرتفع مستوى سطح البحر، فتتهدد المناطق الساحلية المنخفضة، ما بين نصف كيلو إلى واحد كيلو عرضًا، حول الإسكندرية والمنطقة الممتدة من البرلس إلى بور سعيد.
يشير العالم المصري مصطفى كمال طلبة إلى أن دلتا نهر النيل بها أراض منخفضة عن سطح البحر المتوسط، فإذا ارتفع سطح البحر ما بين 20 أو 30 سم، فإن النتيجة فقدان 25 % من مساحة الدلتا، والتي تضم – كما نعلم – أجود الأراضي الزراعية. فقد كونها طمي النيل خلال ملايين السنين، فضلًا عن تهجير ما بين سبعة إلى ثمانية ملايين مواطن.
حسب رواية مصطفى كمال طلبة فقد كان العالم يعيش – منذ مائة ألف سنة – في عصر الجليد، درجة الحرارة صفر، أو أقل من الصفر، وقد زادت درجة الحرارة – خلال هذه الفترة الهائلة – خمس درجات فقط، مع ذلك فإن الكثير من الحيوانات لم تستطع – خلال عشرة آلاف سنة – أن تتأقلم مع هذه الدرجات الخمس.
هنا ينشأ السؤال: ما عواقب زيادة معدل حرارة العالم ثلاث درجات خلال أقل من ثلاثين سنة؟
المؤكد أنه سيفقد الكثير من مفردات التنوع البيولوجي النباتية والحيوانية، وستعود العديد من الأمراض التي تخلص العالم منها – أو كاد -كالملاريا والسل والطاعون، إلى جانب ما يشاهده العالم من الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير وغيرها.
لى رواية عنوانها ” غواية الإسكندر “، بطلها أستاذ تاريخ في جامعة الإسكندرية، جعل همه البحث عن قبر الإسكندر، ليس لمجرد العثور على القبر، ولا الفوز بالكنز الذى أشار المؤرخون إلى وجوده في داخل القبر، وإنما كان هدفه العثور على الطلسم الذي يعرف أن الإسكندر تركه في مقبرته ليحمي الإسكندرية من خطر البحر الذي يهددها بالابتلاع .
أحداث الرواية متخيلة، لكنها تعتمد على حقيقة علمية تؤكد الخطر الذى يمثله ارتفاع منسوب البحر على الإسكندرية، والدلتا بعامة. يتغير المناخ، ويختل الغلاف الجوى، وتضعف مقاومته. يذوب جليد القطب الشمالي، ويبين الخطر عن ملامح – كما يطالعنا فى القنوات الفضائية – تأتي التيارات المائية البحرية في اتجاه عمودي على الشواطئ. الأمواج – في تأكيدات الخبراء – هي الآن صاحبة الكلمة العليا في تحديد مساحة المدن والشواطئ. تتوالى الأعوام، تفقد الشواطئ الرمال، تتآكل الشواطئ الرملية، لا مصدر طبيعيًا للرمال يغذي الشواطئ مثلما كان الأمر – قديمًا – على شواطئ الدلتا بطمي الفيضان. ربما رافقه، أو سبقه، زلازل وبراكين يسببها ضغط المياه على طبقات الأرض في قاع البحر، فيحدث الانهيار .
تاريخيًا، كان شاطئ البحر المتوسط – في القرن الثانى قبل الميلاد – يبعد عن حدود شاطئه الحالى بمسافة ما بين مائة وخمسين ومائة متر. أكلت مياه البحر أجزاء كبيرة من الدلتا. اختفى عدد من أنهارها السبعة التي كانت تصب في البحر. اتصلت بحيرة البرلس بالبحر بعد أن كانت تبعد عنه. فنار رشيد هو الآن في قلب البحر بعد أن كان على الرصيف، أما بوغاز رشيد فيواجه كثرة الرمال، مما يؤدي إلى قلة ما تعطيه المنطقة من أسماك.
الإسكندرية القديمة تحت عمق سبعة أمتار من الإسكندرية التى نحيا فوقها الآن، تحت الأرض والبحر، لكن الزمن الحالى يختلف – بالطبع – عن الزمن القديم في الثورة العلمية والتكنولوجية التي يعيشها العالم .
الملاحظ أننا نعد للخطر الوشيك بإجراءات تشابه ما يفعله الذي يطلي واجهة بيته ليخفي التصدع الذى يهدده بالانهيار. إهدار للمال العام في عمليات ترقيع سخيفة، مثل زيادة الحواجز الخرسانية، والحقن بالرمال، وإقامة المشروعات التي تنقل النحر من موضع إلى آخر دون علاج للمشكلة الحقيقية .
كل الحواجز التي نضعها على الساحل لا قيمة لها أمام الزحف المستمر للمياه، الارتفاع المتصاعد لها، التآكل والنحر والابتلاع، وكل المسميات التي تعني اختفاء أجزاء غالية من بلادنا.
لا أعرف الأسس العلمية التي بنى عليها خبراء البيئة توقعاتهم بنسبة الربع التي سيبتلعها البحر من دلتا مصر، لكننا يجب أن نعني بمحاولة درء الخطر، ولا نكتفي – كالعادة – بمحاسبة النفس على كوارث، كان من السهل تلافيها، أو التخفيف من أضرارها. والقائمة تبدأ بانهيار البنايات، وتجريف الأرض الزراعية، وتنتهي – ولن تنتهي! – بحوادث القطارات، والعبارات، وأنفلونزا الطيور، وانفجار أنابيب الغاز في قلب المناطق السكانية.
ثمة تعبير يقول: بدأ الإنسان حياته على هذه الأرض وهو يحاول أن يحمي نفسه من غوائل الطبيعة، ثم انتهى به الأمر وهو يحاول أن يحمي الطبيعة من نفسه.
التقدم العلمي صناعة الإنسان. أراد أن يضيف به إلى حياته، ويطورها، لكنه أفرز من السلبيات – أحيانًا – ما يهدد هذه الحياة.
السيارات والطائرات والمصانع والمداخن والنفايات والمخلفات والمبيدات الحشرية والمبيدات الفطرية ومبيدات الأعشاب والأصباغ وأدوات التجميل والبيروسول.. كلها وسائل مهمة لتطوير حياتنا، لكنها تتراكم، أو ما تخلفه – في المقابل – في البيئة المحيطة بنا، بغلاف الأرض، على هيئة مواد صلبة وسائلة وغازية.. ولا حل!
العلم هو المسئول عن التلوث البيئي الذي يحيق بهذا العالم، والعلم هو المسئول عن إنقاذ العالم مما يتهدده.
هو المسئول – في الدول الصناعية الكبرى تحديدًا – عن درء الخطر الذي أحدثته، وهدد بالتالي مدينتي التي أعشقها!
*