لا أنكر أن العبارة علقت في ذهني ولم أستطع التخلص منها أو من تأثيرها واستحواذها على تفكيري لبعض الوقت رغم رفضي لها أو بالأحرى استبعاد حدوثها بتلك الطريقة.
إنه زمن المسيح الدجال، قالها صديقي ونحن نتحدث عما تشهده البشرية من تطور مذهل ومتلاحق، آخره مابشر به “مارك زوكربيرج ” من الإستعداد لاطلاق مايسمى بـ “الميتا فيرس”.. تلك المنصة التي تساهم في زيادة الحياة الإفتراضية لأبنائنا الذين يمضون معظم وقتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، مما أحدث حالة من الغربة بين أبناء البيت الواحد.
لايوجد بيت لايعاني من تلك المعضلة .. الجميع يحملون الموبايلات وكل شخص مشغول بعالمه الخاص حتى لو كانوا يجلسون في مكان واحد، ولم تعد هناك إجتماعات أسرية إلا فيما ندر والغيت الحدود سواء المتعارف عليها بين الدول أو الحدود بين الثقافات المختلفة وماتبع ذلك من إنهيار سلوكي وأخلاقي غير مسبوق.
ورغم إختلافي مع صديقي من حيث المبدأ بإعتبار أن الأحاديث النبوية الشريفة التي تحدثنا ــ وتحذرنا ــ من المسيح الدجال تنبيء بشخص له صفات محددة يظهر في آخر الزمان وليس أحداثاً أو برامج معينة، إلا أن العامل المشترك بين ماجاء في الأحاديث النبوية ومانعيشه الآن من الفتن يتطابق مع المناخ أو الزمان الذي يظهر فيه الدجال.. والله أعلم.
***
ترتيب الأولويات من المسائل المهمة والضرورية، وهناك مايسمى بفقة الأولويات يفاضل بين الأعمال من حيث تقديم الواجب على المستحب والأهم فالمهم، وقد كتبت مقالاً في هذا الإتجاه منذ عدة سنوات خلال فترة عدم الإستقرار التي عاشتها أم الدنيا رداً على ماطرحه د. طارق حجي.
و قلت وقتئذ تعليقاً على ماطرحه د. حجي حول مبدأ الأولويات، ان السلاح المتطور في تلك المرحلة يسبق التعليم، نظراً للجو العام الذي تحيط به المؤامرات والمخاطر التي تهدد وجود الدولة نفسها، وليس من العقل والحكمة أن نتحدث في تلك الظروف عن أي أولويات أخرى غير دعم وتحديث الجيش والشرطة، مع الوضع في الإعتبار أن التعليم يظل قاطرة التنمية في كل مكان وزمان ولكن في الظروف الطبيعية .
وبنفس المنطق “ترتيب الأولويات” أتصور أنه من الضروري الآن الإهتمام بتدريس الدين بالمدارس والجامعات بصورة موسعة واعتباره مادة نجاح ورسوب واضافته للمجموع الكلي حتى يفهم أبناؤنا دينهم ويستعيدوا هويتهم في ظل تلك التطورات العالمية التي جعلت كبار الكتاب على مستوى العالم يوجهون دعاوى مماثلة بأهمية مواجهة ذلك الشبح المخيف المتمثل في طغيان التكنولوجيا الحديثة وتلاشي الحدود بصورة تهدد هوية الأجيال الجديدة.
لامجال لايقاف عجلة التقدم أو وضع قيود للسيطرة على مايصل الى شبابنا، ولا حل أو أمل إلا بتحصينهم بالدين، أضف الى ذلك أن الدين الصحيح “الوسطي” يعد الطريقة المثلى للقضاء على الغلو والتطرف.
***
وبالتوازي مع اقتراب تدشين “الميتافيرس” بكل اشكالياته والمخاوف المترتبة على تلك المرحلة الخطيرة، يتم الترويج حالياً لفكرة الدين الإبراهيمي بدمج الأديان الثلاثة معاً ، بطريقة دس السم في العسل عبر الحديث عن التقارب والتعايش بين أتباع الديانات الثلاثة ومايفرزه ذلك من تعاون، بينما هي في الواقع محاولة جديدة ــ وإضافية ــ لتدمير هويتنا وإلغاء الرباط الذي يجمعنا مما يجعل شبابنا فريسة سهلة ــ أو أكثر سهولة ــ للإستقطاب والسقوط في هوة دعوات التغريب والأفكار الشيطانية المستحدثة.
إذا كان الدين مهما وضروياً في كل الأوقات بإعتباره الحصن المنيع لحماية المجتمع من الإنحراف السلوكي والأخلاقي الذي أفرز لنا حوداث وقضايا تقشعر لها الأبدان، وفي ذات الوقت يحصن أبناءه ضد الغلو والتطرف، إلا أننا نحتاج اليه الآن أكثر من أي وقت مضى لمواجهة مخططات شيطانية يعلم الله وحده أهدافها ونتائجها والى أين تقود البشرية.