بقلم : د. علاء زهران رئيس معهد التخطيط القومي
سكان مصر طبقاً لأحدث بيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يبلغون نحو 102 مليون و 234 ألف نسمة، ويزداد السكان في مصر عموماً بنحو 2.5% سنوياً وإذا كان عدد الوفيات نحو 0.5%، ومن ثم فإن صافي الزيادة يصل لنحو 2%سنوياً، وهي الزيادة التي تلتهم ثمار التنمية بالكامل ليظل السؤال المستمر: متى يشعر المواطن بتحسن ملموس في مستوى المعيشة؟ خاصة في ظل تحسن كافة مؤشرات الإصلاح الاقتصادي بعد نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري (2016 – 2019) وتنفيذ العديد من المشروعات القومية في مجالات البنية الأساسية والمجالات التنموية المختلفة بإشراف مباشر من القيادة السياسية التي تتابع عن كثب وبشكل يومي– ودون أدنى مجاملة -كل ما يجري في ربوع مصر المحروسة.
من المعلوم من الناحية العلمية والاقتصادية أن جني الشعب لثمار التنمية يتحقق إذا زاد معدل النمو الاقتصادي عن ثلاثة أمثال معدل نمو السكان على الأقل ولفترة ممتدة نسبياً. ومن ثم يجب تحقيق معدلات نمو اقتصادي تتجاوز 6% و 7% لفترة لا تقل عن خمس سنوات، كي يشعر المواطن البسيط بتحسن في مستوى معيشته. وقد كانت مصر على مقربة من ذلك لولا جائحة كورونا التي يعلمها الجميع والتي حققت مصر – من بين دول قليلة على مستوى العالم – معدل نمو إيجابي وبدأت في مرحلة التعافي.
تكشف نتائج بحوث الدخل والإنفاق والاستهلاك المتتالية عن أن الأسر ذات الدخل المنخفض هي الأسر الأكثر عدداً وبشكل خاص في المحافظات الأكثر فقراً. ومن المؤكد أن لهذه النتائج دلالات اجتماعية وثقافية تستحق التعامل معها بجدارة عند تناول موضوع المشكلة السكانية.
ويعتقد المواطن بشكل عام أن مسألة الإنجاب هي حرية شخصية وأنه هو الذي ينفق على أبناؤه ولا يكلف الدولة أي شيء سوى الجزء الذي تدعمه الدولة سواء في دعم السلع التموينية أو في مجالي التعليم والصحة. ولكن دعني أضع أمام القارئ الكريم ما يحتاجه أي مولود مصري من الدولة بمجرد ولادته، وهو ما تعنى به وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية سواء في استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 أو في الخطط متوسطة المدى والخطط السنوية عند تخصيص الاستثمارات في المجالات المختلفة:
- نصيب من خدمات الدفاع والأمن والعدالة
- نصيب من مياه الشرب النظيفة
- نصيب من الكهرباء والمواد البترولية
- نصيب من الصرف الصحي الآمن
- نصيب من الطرق والمواصلات المختلفة وما يلحق بها من خدمات
- نصيب من خدمات التعليم
- نصيب من خدمات الصحة
- نصيب من الإسكان سواء كان إسكان اجتماعي أو غيره
- نصيب من كافة المحاصيل الزراعية …………….إلخ
- نصيب من جميع المبادرات من أول 100 مليون صحة وحتى حياة كريمة
- والأهم الحصول على فرصة عمل لائقة ومستدامة وهو بيت القصيد
نعم نحن نفكر على مستوى الدولة عندما يولد أي مولود كيف سيحصل عندما يكبر على فرصة عمل لائقة ومستدامة باعتبار أن توفير فرص العمل وتوظيف الشباب ومن ثم تخفيض معدلات البطالة هو الهدف الأسمى لعملية التنمية.
ما سبق يوجه بوصلة التفكير عند التعامل مع المشكلة السكانية. قد يكون البعض قد سئم من الكلام عن رفع الوعي بخطورة الزيادة المضطردة في عدد السكان بشكل يفوق موارد الدولة المختلفة. لذلك وقبل الحديث عن بعض الممكنات للتعامل مع المشكلة السكانية، من المؤكد أن هناك حاجةلوجود استراتيجية وطنية للسكان تراعي كافة الأبعاد التنموية وبشكل خاص البعد الجغرافي والتفاوت في مستويات الدخول حتى 2035 وينبثق منها خطط متوسطة وأخرى قصيرة الأجل، للتعامل الفوري والجاد مع المشكلة السكانية، فالأبعاد الاجتماعية والثقافية للمشكلة السكانية تحتاج لوقت طويل للتعامل معها والتي تشترك فيها المؤسسات الثقافية والدينية والإعلامية، وهناك أبعاد اقتصادية واجتماعية يمكن التعامل معها خلال الأجلين المتوسط والقصير.
والمقام هنا لا يتسع لتفصيل ما تم إجماله فيما سبق، ولكن ربما بعض مما سيلي ذكره يمكن الأخذ به تبعاً لظروف الحال وتقدير الموقف المناسب لما يرتبط بها من قرارات.ويتلخصالمقترح الرئيسي في إعداد مشروع قانون لتنظيم الأسرة المصرية – يشارك في إعداده كافة طوائف وفئات المجتمع – ثم يناقش ويتم التوافق عليه بالبرلمان بما لا يتعارض مع نصوص الدستور. وتدور نصوصه حول واجبات والتزامات الدولة تجاه عدد معين من الأبناء – وليكن اثنين – وواجباتها والتزاماتها لما زاد عن ذلك، وبطبيعة الحال يطبق القانون من تاريخ صدوره، ولا يطبق بأثر رجعي، حتى لا يضار أحد وتكون الدولة قد طبقت معايير الشفافية والعدالة عند التعامل مع المواطنين:
- تكون مجانية التعليم لطفلين وما زاد عن ذلك يكون لمرحلة التعليم الأساسي فقط
- يكون التأمين الصحي الشامل لطفلين فقط وما زاد عن ذلك تتحمله الأسرة
- يرفع دعم الكهرباء والمياه والغاز عن الأسر التي يزيد عدد أطفالها عن اثنين
- تضاعف رسوم كافة الخدمات المتعلقة بالطفل الثالث من أول شهادة الميلاد وحتى رخصة القيادة وما إلى ذلك
- تضاعف كافة الرسوم على رب الأسرة – حال وجود طفل ثالث – مثل رسوم تراخيص البناء وإدخال كافة المرافق وما إلى ذلك
- لا يكون للطفل الثالث نصيب في الإسكان الاجتماعي أو القروض الميسرة وما إلى ذلك
قد يعتقد البعض أن ما سبق بمثابة عقوبات، ولكن بقراءة متأنية والنظر لصالح جموع الشعب المصري ولضمان حياة كريمة لكل أبناء الوطن، فإنه يمكن أن ينظر لها كحوافز إيجابية تصب في مصلحة المواطن أولاً، كما أنها – من وجهة نظر الكاتب – تحقق العدالة الكاملة، فالدولة لم تحرم أحداً من أن يكون لديه أي عدد من الأبناء، ولكن من لديه القدرة على تحمل نفقات الطفل الثالث وما يليه فلينجبه ويتحمل تكاليفه، ومن غير المنطقي إنجاب أكثر من طفلين وأحياناً يصل العدد لتسعة وعشرة أطفال، وعدم الاهتمام برعايتهم تعليمياً وصحياً وغير ذلك، وتصب المشكلة في النهاية لدى الدولة في الحاجة لتوفير فرص عمل لائقة ومستدامة لأشخاص غير مؤهلين علمياً وصحياً ونفسياً لدخول سوق العمل. فالأمر بالفعل يستحق الاهتمام ولا يحتمل التأجيل.وفق الله الجميع مع كل الأمل بغد مشرق يحمل كل الخير لمصرنا الغالية.