تأثرت بمقال استاذنا الروائي الكبير محمد جبريل ،الذى نشره هنا بعنوان” ولاإيه يابركة”.. وأثار في نفسيتي الكثير من الشجون حول الفجاجة وقلة الذوق وعدم المفهومية التى يتعامل بها المجتمع مع أرباب المعاشات أو الذين بلغوا من الكبر عتيًا.. مع إن فيهم من يمتلك شبابًا وحيوية لايمتلكها شاب عنده 21 سنة وثلاثة أشهر.
ورغم أنني مازلت حتى الآن تحت السن وألعب في فريق الناشئين وأنتظر تصعيدي إلى الفريق الأول- انظر الصورة- كما أننى أسمع أغاني المهرجانات، فقد تعرضت كثيرًا لمواقف بايخة، ليس من بينها طبعًا أن تقول لي فتاة في العشرين من عمرها” شكرًا ياعمو”.. عادي بسمعها كتير وبعمل نفسي مش سامع.
منذ أيام أكرمني الله ووجدت مقعدًا خاليًا في المترو،وفي إحدى المحطات صعدت سيدة يبدو من هيئتها أنها جاوزت المئة عام بكثير، طبعًا كانت المقاعد مشغولة بالشباب والفتيات، ولأننا في زمن قلة الذوق والمروة، إللي هي المروءة يعني باللغة العربية الفصحى، فإن أحدًا منهم لم يترك مكانه للسيدة، التى وضح أنها من شدة التعب تستعد للصعود إلى الرفيق الأعلى،وكانت تحاول لفت أنظار الشباب إلى كبرها، بنهجانها وتوجعاتها،وكل شوية تعمل إنها هيغمى عليها.. وأنا أخذتني الحماسة والمروة وانتفضت واقفًا وقلت لها بعزم مافي :اتفضلي اقعدي يامدام.. لم أقل لها ياحاجة ولا ياأمي ولاأي شئ من هذا القبيل يجرح إحساساتها، لكن السيدة ،التى من المؤكد أنها صعدت إلى الرفيق الأعلى بالفعل، صدمتني بقولها المملوء بالأسي والحزن والشفقة والإشفاق، وعلى طريقة المرحومة أمين رزق: خليك قاعد إحنا كباروتعبانين زي بعض!
ومرة أخرى أخذتني المروة عندما وجدت بعض الشباب قالعين هدومهم في الشارع ونازلين ضرب في بعض.. تدخلت لفض المشاجرة، وإذ بهم جميعا ،وعلى غير اتفاق، يصيحون في نفس واحد: اركن أنت على جنب يابا الحاج!
طيب هؤلاء لايعرفونني، فمابالك بزملاء يعملون معك فى نفس المؤسسة.. تقف في انتظار الأسانسيرمثلًا وعندما يصل يقول لك شحط منهم اتفضل ياحاج.. وفي البنك تذهب لإجراء معاملة فيقول لك السيد البنكير تحت أمرك ياحاج، ويقول لك عم عبدالسميع الحلاق، الذي في سن جدك ، بعد أن يحلق لك :نعيما ياحاج.. وأبو مينا حارس العقار ترمي عليه صباح الخير فيرد : صباح النور ياعم الحاج.. أبو مينا يخلفنى خد بالك.
دعك من عم الحاج ربنا يكتبها لك انت وكل السامعين أو القاريين يعنى ..تلاحظ مثلا إنك تخنت حبتين فتقرر أن تحترم نفسك وتخس شوية.. ياويلك لوخسيت.. سيستوقفك بغل استرالى وينظر إليك راسما الدهشة الممزوجة بالخوف والشفقة والألم الإنساني الشفيف والشفاف ،بتاع الرسم، ..ويقول لك: إيه ده مالك.. أنت عيان ولا حاجة؟ خاسس كده ليه.. أوعى يكون السكر جالك.. ماتسكتش على نفسك .. لازم تحلل.. ده السكر ممكن يعميك ،وممكن يقطعوا لك رجلك زي ماحصل مع أم سيد أنور.. وساعات بيجيب شلل نصفي..أو على الأقل فشل كلوى.. وهكذا أخي المواطن تكون فى حاجة ماسة وقتها إلى نقلك لغرفة العناية المركزة مع إنك سليم وصحتك زي البمب.. وممكن تتجوز أربعة مع بعض.. ولو الشرع بيحلل سبعة ماشي.. الله كريم.
ستى الله يرحمها كانت تقول دائمًا:الملافظ سعد.. فياريت الناس تاخد بالها وهي بتتعامل مع بعض.. كلمة ياحاج نقولها فى الجامع ماشي.. لكن فى الشارع والأشغال ودواوين الحكومة وكده مايصحش.. ولما نلاقى واحد حتى لو كان بيطلع فى الروح ممكن نجامله ونقول له وشك بتجرى فيه الدموية .. بسم الله ماشاء الله إيه الحيوية دى وإيه الشباب ده كله.. كلمة حلوة ياأخى تريح الزبون وتحسسه إن المشوار قدامه لسه طويل.
عن نفسي قررت عدم السكوت على كلمة ياحاج.. أو “إيه ده وشك أصفر كده ليه”..وأقول لكل من يتعامل معى لو قلت لى ياحاج .. أو وشك أصفر كده ليه وجبت لى سيرة أم سيد أنور.. وحياة أمك ما ح اسكت لك..احترم نفسك ياسيد أحسن أبعزق كرامتك.. اتفقنا ياعم الحاج.. أنت وشك أصفر كده ليه؟