قديما كان الأدباء يكتبون للأطفال فى الخفاء، ويتوارون خلف كتابات أخرى مثل: الرواية والقصة القصيرة، والشعر، خوفا من أن تلتصق بهم تهمة”كاتب أطفال”، وعندما فتن أمير الشعراء أحمد شوقى بحكايات لافونتين الخرافية للأطفال، ترجم بعضها عن الفرنسية إلى اللغة العربية، وأراد أن يكون لأبنائنا أدب يضاهى هذا الأدب، فكتب حكاياته الشعرية للأطفال على غرار تلك الحكايات، مؤمنا بقيمة هذه الكتابة فى تهذيب وجدان أطفالنا، وغرس القيم الإنسانية والجمالية فى نفوسهم.
يومها دعا رفقاء دربه من الشعراء والأدباء أن يكتبوا خصيصا للأطفال، وخاصة جبران خليل جبران، لكن -للأسف- دعوته لم تجد قبولا من الأدباء وقتها، وسرعان ما انصرف هو الآخر عن الكتابة للأطفال بعدما ترك للأجيال الجديدة تراثا شعريا راقيا، وكان -بهذا الإبداع- من أوائل من طرقوا هذا المجال، ولكن جاءت أجيال بعد شوقى آمنت بقيمة هذه الكتابة باعتبارها رسالة سامية، فتفرغ كامل كيلانى للكتابة للأطفال بعدما كان يعمل فى مجال تحقيق الكتب التراثية، والتراجم، وأصبح رائدا لهذا الأدب، بعدما قدم ما يربو على مائتى كتاب، مستفيدا من الأساطير، وكتاب ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والقصص العربية المتواترة فى بطون الكتب التراثية، وأوجد بكتاباته شرعية حقيقية للكتابة للأطفال>
وأتت بعده أجيال كثيرة كانت أكثر دأبا وإنتاجية لإرساء قواعد هذه اللون من الأدب، فجاء الشاعر محمد الهراوى ليكون أول من تفرغ للكتابة الشعرية للأطفال، وقدم إنتاجا ثريا ومتنوعا، ولا ننسى جهود عادل الغضبان، والابراشى، وبرانق، من الذين كانت لهم اسهامات ملموسة فى هذا الأدب. لكن الجيل الأكثر تأثيرا جيل عبد التواب يوسف، وأحمد نجيب، ويعقوب الشارونى الذى مازال يعطى بسخاء وبكل طاقته لخدمة أدب وثقافة الأطفال، ومع هذا الجيل، حقق أدب الأطفال طفرة كبيرة فحصل كتاب ورسامو الأطفال على جوائز كبرى عربية ودولية، وتعاقبت الأجيال بعد ذلك منهم من يكتب وعينه على الجوائز العربية بحثا عن قيمتها المادية، وهذا ليس عيبا فى حد ذاته لأن الكاتب فى مصر والوطن العربى، يظل طول عمره يصرف من قوت أولاده على طباعة كتبه، والغريب أن هناك بعض دور النشر الكبرى تعمل فى مجال صناعة الكتاب باحترافية كبيرة،تظل طوال عام تصنع كتابا للأطفال نصا ورسما، عاكفة عليه ليخرج فى أبهى صورة له على مستوى الطباعة، والإخراج، والنص، والرسوم يتقدمون به لجوائز عربية بعينها يعرفون دهاليزها وتوجهاتها جيدا، فيحصلون على هذه الجوائز التى تعد بمئات الآلاف من الجنيهات، مما جعل عددا كبيرا من الكتاب يتوجهون للكتابة للأطفال متلمسين الفوز بواحدة من هذه الجوائز، فأوجدت حراكا حقيقيا ولافتا تطورت معه الكتابة للأطفال نصا ورسوما، والحقيقة أن ظهرت أجيال مبدعة من كتاب الأطفال يشار إليهم بالبنان.
لكن ظلت تهمة إلتصاق مسمى “كاتب أطفال” تخيف الكثيرين من الكتاب، وكأنها كتابة سيئة السمعة، أو قليلة القيمة، وكثيرا ما دارت الصراعات بين الأجيال القديمة لدرجة التطاحن والتراشق بالألفاظ، ووصلت هذه المعارك إلى حد الخصومة لسنوات، وللأسف أننا كأجيال -جديدة نوعا ما- نكتب للأطفال ورثنا هذه المعارك والخلافات، وتدور صراعات مكتومة واتفاقات فى الخفاء تديرها شلل صغيرة، توغر الصدور وتزرع بذدور الفرقة بين أدباء يبدعون لصياغة وجدان أجيال سوف تقود مستقبل هذا الوطن فى القريب، ولأننا نعمل أنا وبعض أبناء جيلي بحب وإخلاص فى هذا المجال منذ ما يزيد على ربع قرن، متجردين من كل حسابات، ورغم ذلك تجد الحروب تحاك ضدك بليل لأنك –مثلا- أقمت فعالية كرمت فيها الحاصلين على جوائز عربية ونسيت بعض الأسماء، أو أقمت مؤتمرا ناجحا ولم تدع فيه بعض الباحثين للمشاركة، أو ندوة سقطت منك بعض الأسماء سهوا، كل هذا وارد فى العمل العام، ومن ثم كنت أتمني أن تتخلص الأجيال الجديدة من كتاب الأطفال من ميراث الحقد والكراهية، وأن تسود روح المحبة والوئام بينهم، كي يستطيعوا أن يوصلوا هذه القيم النبيلة من خلال كتاباتهم إلى عقل ووجدان الأطفال.