خلال فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما، التي يتم تنظيمها في إطار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث أقيم حوار فريد من نوعه بين المؤلفين الموسيقيين، الهندي أيه آر رحمان والمصري هشام نزيه، في دار الأوبرا المصرية، وبالنظر إلى مسيرة الاثنين، نجد الكثير من المحطات المشتركة، التي أثرت في موسيقاهم، وجعلتهما من أهم مؤلفي الموسيقى في بلدانهم.
أن تترك الموسيقى.. لكنها تجد طريقها إليك
تخيل أن تولد لأب موسيقي وتبدأ في التعرف على عالم الموسيقى وأنت دون الرابعة من عمرك، لكن القدر يبعدك عن هذا العالم دون إرادتك، أو تخيل لو دفعتك رغبتك في إرضاء الأهل لدراسة بعيدة كل البعد عن شغفك بالموسيقى. هذا بالضبط ما حدث مع أيه آر رحمان وهشام نزيه؛ فاضطر الأول لترك الموسيقى بعد موت أبيه، ووافق الثاني على رغبة أهله في الحصول على شهادة جامعية ودراسة الهندسة. إلا أن كليهما وجد طريقه إلى الموسيقى؛ فقدم رحمان أول موسيقاه التصويرية لفيلم “Roja” في عام 1992 وهو في الخامسة والعشرين من عمره فقط، وهو نفس العمر الذي قدم فيه نزيه أولى مؤلفاته في فيلم “هيستيريا” في عام 1998.
العودة إلى الجذور لصناعة الموسيقى
رغم الاختلاف الشديد بين مصر والهند، فكلا البلدين تتشابه في ثراء الثقافة والتواجد الحي للغات القديمة وتنوع الجذور الذي بالضرورة ينعكس على الموسيقى؛ وهذا ما أدركه رحمان ونزيه في صناعة موسيقاهم، فتجد أن بعض مشاريعهم في صناعة موسيقى الأعمال الدرامية والأفلام قائمة على أصول موسيقى تراثية، مثلما اتخذ هشام نزيه من ترانيم اللغة القبطية القديمة مرجعاً لصناعة موسيقى مسلسل “العهد” وتقديمها بشكل مختلف مستخدماً آلات موسيقية حديثة أعطتها طابعاً عصرياً. هذا أيضاً ما فعله إيه آر رحمان في كثير من أفلامه مثل فيلم “تاماشا” الذي استخدم فيه نوتات هندية كلاسيكية وودمجها بنوتات عصرية ولكن كان أبرزها في ميدلي ” Azeem-O-Shaan Shahenshah” من فيلم جودا أكبر الذي كان يستعرض ثراء وتنوع واختلاف الثقافة الهندية وهو ما استطاع رحمان أن يحققه بموسيقاه مع استخدام آلات حديثة أضفت لمسة عصرية على المقطوعة بالكامل رغم أصالتها.
الصوفية ثقافة لا تعرف الحدود
نشأت الصوفية بشكلها الحالي كمذهب من الدين الإسلامي يهدف إلى تنقية القلب والروح والتوحد مع العالم والإله، لكنها بمفهوم أشمل ترجع إلى حضارات عتيقة، فتجدها تتقاطع مع مبادئ البوذية والهندوسية، وهنا نجد نقطة التقاء أخرى بين رحمان ونزيه؛ فبينما يتخذ أيه آر رحمان من الصوفية مذهباً عاماً لحياته، فقد تأثر هشام نزيه بالموسيقى والشعر الصوفي المتأصل في الثقافة المصرية، وقد وجد تأثر الاثنين بالثقافة الصوفية طريقه إلى موسيقاهم في فيلم “جودا أكبر” لرحمان ومسلسل “السبع وصايا” لنزيه.
علامات فارقة
تطور الفنان لا يأتي بين ليلة وضحاها، لكنه عملية مستمرة من المشاريع المتتالية لكن هذا التطور يتجلى في العلامات الفارقة التي يمر بها الفنان، مثل التي مر بها هشام نزيه بعد فيلم السلم والثعبان ثم الفيل الأزرق 1 ومسلسل السبع وصايا، الذي على إثره تغيرت نوعية المشاريع التي يعمل عليها ليتم اختياره لتأليف موسيقى موكب المومياوات الملكية في أبريل الماضي، وكذلك مرَّ رحمان بطفرة بعد حصوله على جائزتي أوسكار لأفضل موسيقى تصويرية أصلية عن فيلم “Slumdog Millionaire” وأغنية الفيلم “Jai Ho”، فكانت انطلاقته لمشاريع عالمية مثل مشاركة هانز زيمر في تأليف التيمة الرسمية لحفلة توزيع جوائز الأوسكار الـ84 وتأليف تيمة “Expo 2020” في دبي، فيعتبر أيه آر رحمان من أشهر المؤلفين الموسيقيين شهرة على مستوى العالم، وهو الطريق الذي يشق هشام نزيه طريقه إليه الآن.