هل تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية حلولا عملية لإنهاء نزاع سد النهضة في هذا التوقيت الحرج وإجبارأثيوبيا علي الإنصياع لصوت العقل؟.. وهل تستطيع توجيه دفة الرأي العام لدي دول الاتحاد الاوربي الإتحاد الإفريقي قوة ضغط لحسم أزمة سد النهضة؟!
القراءة الفاحصة لتاريخ ومؤشرات الأحداث وتداعيات أزمة سد النهضة ومع تزايد الصراع الطائفي بين آبي أحمد تؤكد أن هذا التوقيت هوالأفضل علي الإطلاق لو كان لدي واشنطن الإرادة الصادقة لحسم أزمة ووضع حد لجمود الموقف الأثيوبي.
فمن نافلة القول أنها تمتلك سلطة المنح والمنع ، وتستطيع أن تضع حدا ونهاية منطقية وطبيعية لصلف أثيوبيا وتجاوزات آبي أحمد ،والذي أمسي يهدد مصالحها أيضا في دول حوض النيل وبالقرن الأفريقي، لكنها تحتفظ لنفسها بقرارات فاعلة في التوقيت الذي تراه مناسبا وفقا لمصالحها الآنية والإستراتيجية.
كل المؤشرات تؤكد أن سد الألفية الأثيوبي ليس مشروعا تنمويا في المقام الأول ، بل يحمل بين طياته أوراق ضغط سياسية وإستراتيجية، تحركها أطراف خارجية ، تتلاعب بها للنيل من حصة مصر التاريخية، وتنفيذ أجندات مشبوهة، لذا تتعامل الدبلوماسية المصرية مع القضية بروية وحكمة وصبر أيوب، لتفويت الفرصة ،والسعي لإستئناف التفاوض تحت مظلة الإتحاد الإفريقي للتوصل لحل يرضي جميع الأطراف.
وقد أعلنت القاهرة مرارا أنها لن تفرط في قطرة مياه واحدة، وهناك سيناريوهات إستراتيجية في إنتظار أديس أبابا ربما تكشف عنها الأيام تباعا مع إستمرار سياسة الرفض لكافة المقترحات، وتأزيم المباحثات والسعي لعرقلة الحلول السلمية وفرض سياسة الأمر الواقع والإنفراد بإدارة السد والمشروعات المرتبطة به، والتلويح ببدء إجراءات الملء الثالث.
وبالعودة إلي الوقائع نجد أن تاريخ إنشاء السدود علي النيل إستخدم لتنفيذ أغراض سياسية ، اعتبارا من محاولات الولايات المتحدة الأمريكية نفسها عرقلة حصول مصر علي قرض لإنشاء السد العالي في عصر الرئيس جمال عبدالناصر (1954 – 1970)، وبعد بناء السد العالى وتوقيع اتفاقية 1959 مع السودان لحصحصة مياه النيل.،ثم تأميم قناة السويس اتجهت أمريكا إلى أثيوبيا لعمل دراسات مائية فى حوض النيل الأزرق حتى تمنع وصول مياه النيل الى السد العالى من 1958 الى 1964 وخرجت بـ 33 مشروعا منهم سد النهضة، في انحياز مبكر وتصرف غريب يثيرعشرات التساؤلات !!
وفي عهد الرئيس السادات (1970 – 1981) ،وبعد افتتاح السد العالى رسميا 1971، أقدمت أثوببا علي إنشاء سد صغير يسمى فينشا عام 1973على النيل الأزرق. وبدأت محاولات إنشاء سدود أخري والتخطيط لإنشاء سد عملاق ،ففي عهد الرئيس حسنى مبارك (1981 – 2011) ،وبعد انفصال إريتريا عن أثيوبيا 1993، تم انشاء سد تاكيزى 2009عام لحجز9 مليارات متر مكعب على نهر عطبرة ، ومشروع نفق تانا- بيلس على النيل الأزرق في عام 2010، ثم التوقيع المريب لبعض دول المنابع على اتفاقية عنتيبى في مايو 2010.
وبحلول عام (2011 ) تم الإعلان رسميا فى 30 مارس عن إنشاء سد النهضة الذى كان يسمى سد الحدود ثم إكس ثم الألفية، وتم وضع حجر الأساس 2 ابريل 2011، وتغيير الاسم لسد النهضة الاإثيوبى الكبير ،وفي عام (2013) استمر تجهيز قواعد السد والأعمال الأولية ونقل الصخور لعمل السد الركامى وبناء الحائط خرسانى وتحويل مجرى النيل الأزرق فى 28 مايو 2013.
وبعد مسيرة من المفاوضات المضنية عرضت واشنطن الوساطة لإنهاء أزمة السد إبان فترة حكم الرئيس الامريكي ترامب ،خلال عامي2019-2020 ، وتملصت أثيوبيا من التوقيع لعرقلة التفاوض ،ثم وجهت الولايات المتحدة الرأي العام الدولي داخل مجلس الأمن لتعطيل مناقشة الأزمة ،و إبعاد قضية السد برمتها عن أروقة الأمم المتحدة والعودة بها للإتحاد الإفريقي ، والذي لم يتخذ بعد قرارا بتحديد مواعيد للتفاوض وفقا لرؤي عادلة وإتفاق ملزم يحقق مصالح جميع الأطراف.
وآخر عهد واشنطن مع قضية السد كان في إجتماع د.محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري، مؤخرا مع ماثيو باركس، خبير المياه بالحكومة الأمريكية، ونيكول شامبين، نائب السفير الأمريكي بالقاهرة، ومن جديد شرح الوزير للامريكان حكاية السد من الألف إلي الياء وعدالة موقفي مصر والسودان، كما عقد مقارنة بين مصر وإثيوبيا، موضحا أن 94% من أراضي إثيوبيا خضراء في حين أن نسبة الأراضي الخضراء في مصر لا تتعدى 5% وأن إثيوبيا تمتلك أكثر من 100 مليون رأس من الماشية تستهلك 84 مليار متر مكعب سنويا من المياه، وهو ما يساوي حصة مصر والسودان مجتمعتَين.
وأشار إلي أن حصة إثيوبيا من المياه الزرقاء (المياه الجارية بالنهر) تصل إلى نحو 150 مليار متر مكعب سنويًّا؛ منها 55 مليارًا في بحيرة تانا و10 مليارات في سد تكيزي و3 مليارات في سد تانا، و5 مليارات في سدود فنشا وشارشارا ومجموعة من السدود الصغيرة بخلاف 74 مليارًا في سد النهضة.
وتبلغ متوسطات كمية الأمطار التي تتساقط على إثيوبيا نحو 900 مليار متر مكعب سنويًّا، ويصل نصيب الفرد من المياه في إثيوبيا إلى 7500 متر مكعب سنويا ولا تعتمد إثيوبيا على أي موارد مائية من خارج حدودها، في حين تعتمد مصر بنسبة 97% على المياه المشتركة من نهر واحد فقط هو النيل، ولا يتعدى نصيب الفرد من المياه في مصر 560 مترا مكعبا سنويًّا. وفي الوقت ذاته تتمتع دول منابع النيل بوفرة مائية كبيرة حيث تصل كمية الأمطار المتساقطة على منابع النيل إلى (1600 – 2000) مليار متر مكعب سنويا.
ولكن يبدو أن واشنطن تجيد فن التحاور والاستماع والتباحث السياسي ، وتنفذ ما تريد وفقا لأجندة المصالح والتوازنات، وتظل القضية معلقة حتي شعار آخرولكن قد يكون لها حسابات أخري بعد انتهاء الحرب الاهلية بين المتناحرين بأثيوبيا.
وعلي أرض الواقع شددت أديس ابابا دفاعاتها حول سد النهضة خشية سيطرة جبهة الثوار تيجراي وأمهرة علي منطقة السد ،وأعلنت بكل صلف إستكمال أعمال الإنشاءات والإستعداد لبدء إجراءات الملء الثالث لخزان السد، ووقف تدفق المياه من الممر الأوسط ،ورغم فشل مخطط المستهدف من الملء الثاني ،وما أثير حول العراقيل والمشكلات والمعوقات التقنية ،وتعرض جسم السد لهبوط فإن آبي أحمد يتباهي بإنجازاته الوهمية ويعتبر قضية السد قضية مصيرية لتبيث أركان حكمه المهترئة وتبييض وجهه حالك السواد أمام شعب أثيوبيا المنقسم علي نفسه ،وأمام العالم وأمام الإتحاد الإفريقي الذي يقدم رجلا ويؤخر أخري !!