قيل “إن مسرح الطفل من أهم ابتكارات القرن العشرين” لذا أتى كتاب (المسرح وثقافة الطفل العربي.. دراسة في جماليات النص والعرض)للباحثة د. شوق النكلاوى، الصادر مؤخرا عن المركز القومي لثقافة الطفل برئاسة الكاتب محمد عبدالحافظ ناصف،ضمن سلسلة “دراسات وبحوث ثقافة الطفل” من الأهمية بمكان، وذلك لندرة الكتب البحثية التى تتناول بالتحليل الجمالي لمسرح الطفل نصا، وعرضا
وقد تناولت الباحثة تحليل ثمانية نصوص لمسرح الطفل، أربعة منها عروض مصرية، وأربعة عروض عربية، علاوة على أن الباحثة ربطت المسرح بثقافة الطفل، باعتبار أن المسرح نص أولا ثم عرض ثانيا، لذا سمي بأبو الفنون لأنه الأكثر تأثيرا في عقل ووجدان الطفل من خلال عناصر العرض المختلفة، بما فيها من سينوغرفيا الفضاء المسرحي، التى تستخدم الديكور، والملابس، والاكسسوارات، والاضاءة، وهي العناصر القائمة على الابهار وجذب الطفل كلية إلى العرض المسرحى.
يقع الكتاب في مقدمة وأربعة فصول، ففي الفصل الأول تناولت الباحثة ثقافة الطفل، مفهومها، مكوناتها، أهميتها، ثم لغات التشكيل في الفضاء المسرحي، والصورة المسرحية وثقافة الطفل.
وقد قدمت للكتاب د. راندا حلمي، فتقول: “ومما لا شك فيه أن المسرح من أهم وسائل الاتصال الجماهيري، التي تعتمد في إنجاز رسالتها الاتصالية على التلامس الوجداني عبر الصورة التعبيرية، والتخيل الافتراضي الحامل للفكر والقيم، بهدف امتاع المتلقي بما يريد أن يقنعه به”.
أما الفصل الأول: قدمت الباحثة أكثر من تعريف للثقافة، ثم عرجت على تعريف ثقافة الطفل التى ترى أنها “جزء من ثقافة المجتمع تختص بالقيم والأعراف والتقاليد التي تساعد على تنشئة الأطفال في إطار من الرؤية الثقافية العامة للمجتمع وتؤهلهم ليكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم مستفبلا بوصفهم ذخيرة هذا المستقبل لذلك تسعى المجتمعات ذات الثقافات العريقة إلى توفير العناصر الثقافية الإيجابية بها عبر الأجيال حفاظا على استمرار الجماعة وتماسكها”؟
ثم انتقلت إلى مفهوم مسرح الطفل، فقد تعددت تعريفات مسرح الطفل من أهمها ما جاء في دليل إكسفوردoxford أن مسرح الطفل هو “ما يطلق على العروض التى يقدمها ممثلون بالغون محترفون أو هواة ومحركو الدمي للصغار، سواء في المسارح أو لقاعات الدراسة”.
وقسمتها الباحثة حسب التعريفات التى أوردتها في الكتاب إلى: مسرحيات يمثل فيها الأطفال، ومسرحيات يمثل فيها الكبار، ومسرحيات يمثل فيها الأطفال والكبار، ثم رصدت أهداف مسرح الطفل التي تمثلت في : الهدف الترفيهي، والهدف التربوي، والهدف التكويني وبناء الشخصية، والهدف المعرفي والتعليمي، والهدف اللغوي، والهدف النقدي، والهدف الإبداعي.
أما لغات التشكيل في الفضاء المسرحي، فيعرف الفضاء المسرحي على أنه مكان الفعل المعروض سواء أكان لفظيا أم راقصا، فهو مكان تجمع لوسائط العرض المسرحي كلها، بما في ذلك المشاهدون، إنه مكان تتبادل فيه شكل لعبة الزمن، إنه تنظيم مادي، يفترض علاقة معنوية بين المشاهد وما يشاهده.
وجاءت عناصر التشكيل في الفضاء المسرحي، على النحو التالي:
أولا: لغة الجسد، ثانيا السينوغرافيا.
أما عناصر السينوغرافيا فتتكون من:
الديكور، الإضاءة، الملابس والاكسسوار، الميكياج والأقنعة
ثالثا: الموسيقى والمؤثراتالصوتية.
ثم اختتمت هذا الفصل بالصورة المسرحية وثقافة الطفل، ورأت أنها “تلك الصورة التي يكونها الطفل في ذهنه؛ حيث توافق تصورات ذهنية لأشياء وأحداث مستحضرة في الذهن، ليس بإمكاننا استنتاج كيانها من خلال الرسم؛ فهى عموما تكون نتاجا لجملة من الأشياء الحقيقية المقلدة والمستنبطة ولكنها لا تظهر إلا في غياب الشئ وعن طريق التكرار الداخلي.
أما الفصل الثاني: وهو فصل تطبيقي، فقد تناولت فيه بالتحليل لأربعة نماذج من عروض مسرح الطفل المصري، والعروض هي: “بدر البدور والبير المسحور”، و”رحلة نور”، “فركش لما يكش”، و”قطرة رنا”.
فقد حرصت الباحثة من خلال تحليلها لهذه العروض على تناول دور الفضاء المسرحي في تكوين الدلالات السمعية والبصرية، وتأثيرها على ثقافة المتلقي “الطفل” في عروض مسرح الطفل المصري خلال تناول مكونات الفضاء المسرحي من لغة الجسد، السينوغرافيا، اللغات غير الكلامية السمعية من موسيقي ومؤثرات صوتية تطبيقا على العروض المسرحية المصرية، وهي: “عرض “بدر البدور والبير المسحور” إنتاج المسرح القومي للطفل، تأليف سهام عبد السلام، وإخراج باسم قناوي والذي يتناول ثقافة هدم الخرافة، وتحرير المرأة، وعرض “رحلة نور” إنتاج البيت الفني للمسرح، تأليف وإخراج جمال ياقوت وتسليط الضوء على الخلافات الزوجية وانعكاساتها السلبية على الأبناء، وعرض “فركش لما يكش” إنتاج مسرح القاهرة للعرائس، تأليف وإخراج: شوقي حجاب، عن ثقافة العمل الجماعي، وعرض “قطرة رنا” إنتاج مركز شباب “شبراخيت” تأليف: عبد الله النشار، إخراج الباحثة، ورسالته السلوكية حول حماية البيئة والحفاظ عليها وكيفية تنميتها، وذلك من منظور ثقافة المجتمع المصري، وكيفية توظيف مفرداته البيئية التي هي نتاج للموروث الثقافي الجمعي للمجتمع المصري، بما فيه من إيجابيات وسلبيات تناولتها العروض المسرحية السابقة تناولا ارتقائيا إلى هدم السلبيات وإبراز الإيجابيات وتعظيمها بالصورة التي تتماشى وفكر الطفل المعاصر عبر لغات خشبة المسرح.
وأعتمدت في تحليل النصوص على عدة عناصر ثابتة تناولتها بنفس ترتيبها في كل العروض، وهى أولا: لغة الجسد، التنوع التقني والفرجوي، ثانيا: (السينوغرافيا) المتمثلة في: الديكور والإضاءة، والملابس والاكسسوار، ثالثا: الموسيقى والمؤثرات الصوتية.
وفي الفصل الثالث، جاء أيضا تطبيقات على تحليل أربعة عروض مسرحية عربية، وهي: “الوشاح السحري”، و”جزيرة الأماني”، “النجدة”، “الذئب المالكر”.
وتناولت من خلالها دور الفضاء المسرحي في تكوين الدلالات السمعية والبصرية وتأثيرها على ثقافة المتلقي “الطفل” في عروض مسرح الطفل بالدول العربية من خلال تناولها مكونات الفضاء المسرحي من لغة الجسد، السينوغرافيا، اللغات غير الكلامية السمعية من موسيقى ومؤثرات صوتية تطبيقا على عروض مسرحية وهى العرض المسرحي “الوشاح السحري” لفرقة المسرح الشعبي (الكويت) بما يتضمنه من قيم ثقافية تدعو إلى التعريف بالتراث والدعوة إلى التمسك بالتاريخ والأصالة من خلال القراءة لاسيما قراءة الكتب التراثية التي تنمي مخيلة الطفل، يقابلها الأجهزة التكنولوجية الحديثة وخطورة الأشعة المنبعثة منها.
والعرض المسرحي “جزيرة الأماني” لفرقة مسرح الدن للثقافة والفن “سلطنة عمان” وما يتضمنه من قيم ثقافية، تحث على طاعة الوالدين، والتزام الهدوء والنظام، أما العرض المسرحي “النجدة” لمركز الفنون الدرامية والمسرحية (تونس)، يهدف إلى رفع الوعي الثقافي للحد من مشكلة التلوث ومخاطرها التي تهدد الحياة على كوكب الأرض، وتنمية شخصية الطفل ليصبح قادرا على مواجهة المواقف الحياتية بوعي ثقافي ومعرفي، وعقلية ناقدة لما يدور حوله من خلال استدعاء فذ للتراث متمثلا في قصة النبي “سليمان”، والعرض المسرحي “الذئب الماكر” لفرقة مسرح الصمود بأم العرائس (تونس) والذي يطرح العديد من القيم الثقافية منها التعايش السلمي وتقبل الآخر وذلك من منظور ثقافة المجتمع العربي.
وأعتمدت في تحليل النصوص أيضا على عدة عناصر ثابتة تناولتها بنفس ترتيبها في كل العروض، وهى أولا: لغة الجسد، التنوع التقني والفرجوي، ثانيا: (السينوغرافيا) المتمثلة في: الديكور،الإضاءة، الملابس والاكسسوار، ثالثا: الموسيقى والمؤثرات الصوتية.
أما الفصل الرابع: (الخاتمة):
فمن خلال استعراض الباحثة لعناصر التشكيل في الفضاء المسرحي ونماذج تطبيقية على مسرح الطفل المصري والعربي فقد تم التوصل إلى بعض النتائج المهمة، أما النتائج العامة للدراسة، هي:
-أكدت الدراسة على أن المسرح أحد قنوات الاتصال والمعرفة المهمة، من خلال ما تتضمنه عروض من قيم تربوية ومعارف ومعلومات.
-كما أوضحت أيضا أن العروض المسرحية التي تجمع بين الكبار والأطفال لاتمثل عامل جذب أكثر للطفل من العروض التي يقدمها الكبار فقط.
-أكدت الدراسة على أن المسرح يعتمد على الجانب البصري، فلغة الصورة أكثر بلاغة وتأثير من لغة الكلام.
-تتكون الصورة المسرحية من عناصر مختلفة، يشترط فيها التكامل فيما بينها، تصب جميعها في هدف واحد يتمثل في إنتاج معني أو بلورة لغة بصرية سمعية تشترط في صياغتها كل العناصربشكل متوان.
-لكي تتكامل الصورة المسرحية بكل عناصرها فلا بد من الدراسة الجيدة للقيم الثقافية المتضمنة في النص والتخطيط المسبق لعناصر التشكيل في الفضاء المسرحي، فذلك بدوره يعمل على رفع الذائقة الجمالية للطفل وتنمية ثقافته بصفة عامة.
-يمكن للسينوغرافيا أن تلعب دورا كبيرا في تكوين ثقافة الطفل عبر عناصرها المتعددة.
-تلعب التكنولوجيا دورا رائدا وفاعلا في التأثير على الطفل المتلقي من خلال التقنيات المتعددة التي تساهم في تقريب الفكرة وبناء الشخصية الثقافية لدى الطفل.
-تسهم السينوغرافيا في إبراز الثقافات الإيجابية لتعضيدها والسلبية لتلافيها والتحذير منها.
-أوضحت الدراسة أن توظيف عناصر التشكيل في الفضاء المسرحي تولد صورة مسرحية مبهجة وجذابة.
-أشارت الدراسة أن لكل مجتمع ثقافته الخاصة التي يمكن التعبير عنها بالعلامات والرموز.
-أكدت الدراسة أن المسرح وسيلة فنية لنشر الثقافة والمعرفة والترفيه للمتلقي الطفل.
-ألقت الدراسة الضوء على التي يجب على السينوغراف اتباعها عند تشكيل فضاء مسرح الطفل.
-من خلال التنوع في العروض المسرحية التي تناولتها الدراسة، يتضح أن مسرح الطفل باستطاعته تقديم القيم الثقافية المختلفة للطفل.
أما توصيات الدراسة:
1-توفير الامكانيات المادية والتقنية، لأن الرؤى الاخراجية تحتاج إلى عملية إنتاج جيد كي تحقق الهدف.
2-توظيف التكنولوجيا في العروض المسرحية المقدمة للطفل على نطاق أوسع، مواكبة مع روح العصر حتى تكون الثقافة المرسلة أكثر تقبلا لدى الطفل.
3-فتح باب أوسع لاقامة مهرجانات مسرح الطفل، والتي تتناول عروضا مسرحية من دول مختلفة، وإقامة ندوات وورش عمل حول هذه العروض تتناولها بالبحث والتحليل.
واختتمت الباحثة الكتاب بملحق صور للعروض الثمانية التي تناولتها بالتحليل.
الكتاب في غاية الأهمية ولا غني عنه للكتاب والنقاد والفنانين، ويستحق عن جدارة قراءته واقتناءه.