بداية العنوان هو بمثابة عتبات النص الكاشفة ، حيث تشير كلمة ميتافيرس المكونة من شقين الأول ميتا وهي ماوراء والثانية فيرس وهو الكون ، مما يمكن ترجمته الي ماوراء الكون ، وهو مصطلح حديث يشير الي العالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد حيث يدخل مستخدم الانترنت الي البيئة التي يراها علي شاشة الحاسوب ويصبح أحد عناصرها ، فتتشبع حواسه بهذا العالم وينفصل عن عالمه الواقعي معطيا كل حواسه الي العالم الافتراضي .
ونحن في نص الأديب رضا يونس ازاء تجسيد لهذه التجربة التي يفجر من خلالها القاص العديد من التساؤلات في ذهن المتلقي عبر نصه الذي يمكن وصفه بالخيال العلمي -وان كان قريبا من التحقق – بأسلوب محكم البناء من أحداث وشخصيات وزمان ومكان وعبر فضاء سردي واع غني بالصور والدلالات .
الأحداث تبدأ باحتفالية كبيرة بمرور عشر سنوات علي التقويم الافتراضي والذي يشير اليه القاص عبر وصف دقيق بعام 2030 ، وهو كما نري تنبؤ واستشراف لهذا العالم المستقبلي ، أما المكان فهو مسرح روماني به ساحة مصارعة ويتوسط خشبة المسرح ثلاثة أشخاص منهم مارك مؤسس الفيس بوك وآخر يبدو من وصفه أنه من الشرق الأقصي وآخر اسرائيلي كما يبدو من اللغة العبرية المكتوبة أمامه ، مما يشير الي التحالف والاندماج ، لكنه من ناحية أخري يؤكد علي فكرة المؤامرة .
والشخصية الرئيسية هنا هي الراوي الذي يتم تقييده وتعصيب عينيه وحقنه بسائل أحمر ثم بسائل أخضر فيغيب عن الوعي مرتين بعد أن يصطحبه مسوخ ويوضع في الأعماق اشارة للعالم الافتراضي ثلاثي الأبعاد ، وعندما يفيق يكون عرضه للاختبار من موكي ونيكي وهما مسخان يبدآن في اختبار الراوي بعد أن تم حقنه بالشريحة السائلة ويعيدان تسميته باسم رقمي بعد أن محيت ذاكرته كما يعيدان صياغة تفكيره عن الله وعن ديانته ليعود مرة أخري بعد أن نجح في الاختبار علي حد قولهم وهو مغيب اذ تتملك الشريحة عقله فيتحدث بما يريدون ، ويعود عبر جهاز الاشارات ليجد نفسه في الاحتفال مرة أخري بعد أن تم الاتفاق علي البروتوكول الأخير ليتم تقييده وتعصيبه مرة أخري ، في بنية سردية دائرية لا تنتهي لعالم متحول يشي بإعادة تشكيل حيواتنا وخطورة ذلك علي قناعاتنا ومفاهيمنا وهويتنا .
ومنذ اللحظة الأولي يسرد ويصف الراوي داخل أجواء هذا العالم الافتراضي تفاصيل وصور غاية في العمق والثراء والدلالة ، فنهاك الشاشة الرقمية وهناك الفيلم الوثائقي عن جموع البشر المهرولة نحو بحر هائج عميق في اشارة الي سيادة العالم الافتراضي وانجذابهم جميعا من خلال الحدوة المغناطيسية الي يمسك بها مسخ هائل أو المسيخ الدجال ، كما يصف لنا العيون ذات الحدقات الكربونية أعلي جبهته وتعصيب عينية والمسوخ والحقن والعين الجائعة ينصف وجه بشري مما يثير دهشته ودهشتنا معه في اثارة للغموض ، فالعين الواحدة ترمز الي عين المسيخ الدجال عند الماسونية وكذلك تعصيب عينيه هو طقس يتم التعامل به مع المنضم حديثا لهذه الجماعة المريبة ، كما أن خاتم تيودور ينسب الي تيودور روز أحد الماسونيين في القرن الثامن عشر وغالبا ما يحمل هذا الخاتم شعار الماسونية والتي تعقد اجتماعاتها في أماكن مشابهة وبشكل مثير للتساؤل ، كما أن هناك علاقة قوية لاتخفي علي أحد بين الماسونية واليهودية ؛ اذ تضم الماسونية أصحاب النفوذ والسلطة فهي تهدف الي السيطرة علي العالم ونشر أفكارها ، وهو ما يمكن ملاحظته علي منصة مسرح الاحتفال حيث نجد اليهودي مع مارك في اشارة الي مؤامرة ليست بعيدة من أجل تغييب وجودنا وطمس هويتنا ، وهو ما يحذر منه النص السردي بأسلوب شيق عبر تفاصيله السردية وحالة الغرابة والادهاش التي تحوط طقوس الاحتفال ، وعملية محو ماهية الراوي الذي يبدو أسيرا مغيبا ازاء عالم سلطوي النزعة طغي علي حياتنا بتقنياته وتماهينا معه مما سلب ارادتنا .
في النهاية النص ناقوس خطر يتنبأ بمستقبل مرعب ومخيف ، كنتيجة حتمية لمقدمات الحاضروما يتم التخطيط له من وسائل التحكم ، عمد فيه القاص / الراوي الي وضع اشارات واضحة من خلال كلمات المسيخ الدجال والبروتوكولات وغيرها من الكلمات الصريحة والمباشرة الدالة علي فكرة المؤامرة ومحاولة استعباد شعوبنا والسيطرة عليها ، وكان يجدر به الايحاء بالرمز فقط مما يثري النص ويضفي عليه أبعادا فنية غير متناهية زمنيا ومكانيا ، لكنه آثر لفت النظر وبقوة لهذا الخطر الوشيك بوعي الأديب المتمرس المهموم بالحاضر والمستقبل .