أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تعد أقدر دولة في العالم أجمع مؤهلة لقيادة الجهود الرامية لإقامة الدولة الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي يمكن أن تساعد بفاعلية في تحقيق هذا الهدف وخاصة (الأردن عربياً والولايات المتحدة دوليا).
وشدد اللواء محمد إبراهيم – في مقاله له نشره المركز المصري للفكر – على ضرورة بذل الجهد العربي والفلسطيني أولاً ثم الجهد الدولي من أجل تحقيق هذا الهدف والتركيز على استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قبل انتهاء الربع الأول من العام الحالي بآليات ليس من الصعب التوافق عليها.
وقال إن وضعية القضية الفلسطينية على المستويين الإقليمي والدولي لا تزال تتراوح بين التراجع تارة والصعود إلى دائرة الضوء والاهتمام تارة أخرى ارتباطا بطبيعة الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وأضاف أن القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس “أبو مازن” تتحرك في أقصى الحدود الممكنة سواء لترتيب البيت الفلسطيني من الداخل أو الدفع في اتجاه تنشيط عملية السلام، إلا أنه رغم هذه الجهود المبذولة لم يتغير واقع المعادلة الفلسطينية على الأرض لأسباب مختلفة.
وأشار إلى أن “إسرائيل ما زالت تغلق كافة الأبواب أمام إمكانية تحريك عملية السلام، وتؤكد كافة المعطيات الماثلة أمامنا أن حكومة نفتالى بينيت لم تختلف عن حكومة بنيامين نتنياهو، بالنسبة للتعامل مع القضية الفلسطينية وبما يشير إلى وجود توافق واضح بين هاتين الحكومتين لإسقاط عملية السلام من أجندتيهما”، لافتا إلى أن الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية لم تتحرك حتى الآن من أجل تنفيذ رؤيتها التي تتبناها فيما يتعلق بحل الدولتين.
وتابع اللواء محمد إبراهيم: “حاولت القيادة الفلسطينية بحكم مسئوليتها ودورها وقناعتها أن تتحرك مع كافة الأطراف المعنية بما في ذلك الجانب الإسرائيلي من أجل استكشاف أية سبل يمكن أن تساهم في استئناف المفاوضات السياسية إلا أنها اصطدمت بتشدد الموقف الإسرائيلي وعدم وجود أي جديد في الموقف الأمريكي سوى بعض المظاهر الإيجابية التي أدت إلى تنشيط العلاقات الفلسطينية الأمريكية مقارنة بالوضع السابق خلال إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وقال: “لا تزال القيادة الفلسطينية حريصة على أن تتلمس أية فرصة ولو محدودة لدفع عملية السلام، ومن الأمور الجيدة وجود تنسيق متواصل وتوافق ثلاثي واضح فلسطيني مصري أردني بشأن الأسس العربية المقبولة للتسوية السياسية العادلة، إلا أن هذه التوجهات الإيجابية التي عبرت عنها هذه الأطراف الثلاثة لم تجد حتى الآن أية أصداء إيجابية من جانب الحكومة الإسرائيلية التي من المؤكد أنها لا ترغب في مثل هذا التنسيق وتعارض التحرك الجماعي العربي أو الدولي خشية من أية ضغوط محتملة يمكن أن تمارس عليها”.
ورأى إبراهيم أن هناك ضرورة أن تواصل السلطة الفلسطينية سياستها الحالية في امتلاك زمام المبادرة وطرق جميع الأبواب ومع كافة الأطراف بلا استثناء؛ حيث إن قطع أو وقف الاتصالات والتحركات لن تصب إلا في صالح إسرائيل فقط التي لا يهمها سوى استمرار الوضع الفلسطيني القائم دون تغيير، بل إن هناك بعض القيادات داخل الحكومة الإسرائيلية التي لا ترغب في إجراء أية اتصالات مع القيادة الفلسطينية؛ انطلاقاً من تخوفها من أن مثل هذه الاتصالات سوف تعيد مظاهر الحياة إلى القضية الفلسطينية.
واستعرض نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات عددا من التحركات التي يجب أن تشهدها المرحلة المقبلة، من جانب السلطة الفلسطينية بهدف ترتيب البيت الفلسطيني، حيث أكد ضرورة استئناف جهود المصالحة، وقال: “هنا يبدو من الضروري أن تشهد الأسابيع القادمة تنشيطاً لهذه الجهود، وما زالت مصر على استعداد تام لرعاية هذه المفاوضات وبذل كل الجهد من أجل تنفيذ الاتفاقات المتعلقة بهذا الشأن والتي تم التوقيع عليها ابتداء من مايو 2011، وفي تقديري أن السلطة الفلسطينية مطالبة بأن تبادر وتدفع في اتجاه إنهاء الانقسام بأقصى قدر مستطاع وبكل المرونة الممكنة مهما كانت المعوقات وتترك النتائج والحكم للتاريخ وللشعب الفلسطيني”.
وأضاف: “وأنا على يقين أن القيادة الفلسطينية لن تدخر وسعاً في أن تسعى إلى استئناف اجتماعات المصالحة قريباً، وهو ما يفرض على حركة حماس في المقابل أن تكون حريصة أيضاً من الناحية العملية على إنجاز المصالحة”.
وشدد إبراهيم على ضرورة إعادة التأكيد على استعداد السلطة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمجلس الوطني بشرط أن تشمل مدينة القدس انتخاباً وترشيحاً طبقاً للاتفاق الذي تم بين الفصائل الفلسطينية خلال اجتماعات القاهرة في مارس 2021.
ونوه بضرورة تنشيط الحوار بين السلطة الفلسطينية وكافة الفصائل والتنظيمات الفلسطينية بشأن التوافق على رؤية موحدة لمتطلبات المرحلة المقبلة على أن تتواءم هذه الرؤية مع الالتزامات الفلسطينية على المستوى الدولي.
وتابع إبراهيم أنه فيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي فمن الواضح أن أولويات الحكومة الحالية تتركز في اتجاهين أساسين، الأول: هو الاستعداد العلني للمواجهة العسكرية مع إيران في حالة عدم توصل مفاوضات الولايات المتحدة معها إلى اتفاق مرضي لإسرائيل يحول دون امتلاك طهران السلاح النووي مستقبلاً، والآخر؛ يتمثل في منح مزيد من التنشيط لاتفاقات التطبيع الإسرائيلي العربي الذي انتقل بالفعل من المرحلة الاستثنائية إلى المرحلة الطبيعية أو العادية وهي اتفاقات من المؤكد أنها تتواءم مع مصالح الأطراف الموقعة عليها فقط، وهذا من حقهم ولكنها لن ترتب أية نتائج إيجابية لصالح القضية الفلسطينية.
وقال إنه في نفس الوقت لم تكتف الحكومة الإسرائيلية بأن تتجاهل عملية السلام بل اتجهت إلى تنفيذ سياسة استيطانية ممنهجة ومكثفة في كل من الضفة الغربية والقدس وحتى في هضبة الجولان؛ حفاظاً على الحكومة من الانهيار، كما حرصت هذه الحكومة على انتهاج سياسة متشددة وعنيفة تجاه المواطنين الفلسطينيين في بعض مدن الضفة وخاصة في القدس ونابلس وجنين (اعتقالات – اغتيالات – هدم منازل) دون أن تكترث بردود الفعل المتوقعة ولن أكون مبالغاً إذا قلت أنها لم تستفد من دروس الماضي.
وأضاف أنه لا شك في أن السياسات الإسرائيلية بصفة عامة ما زالت تغلق كل الآفاق الممكنة أمام الشعب الفلسطيني الصامد في أن تكون له دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة مثل أي شعب في العالم، ومن ثم يفقد الفلسطينيون الأمل في أي مستقبل وبما يدفعهم إلى البحث عن أية وسائل أياً كانت طبيعتها فردية أو جماعية تحقق لهم هذا الهدف وهو ما تقابله إسرائيل بمزيد من العنف وهكذا تستمر الأمور تدور في حلقة مفرغة.
وتابع: “هنا لابد أن أحذر وأشير إلى إمكانية أن يتدهور الموقف الأمني في الضفة الغربية؛ حيث إن الأحداث الأخيرة في القدس وفي الضفة يمكن أن تحمل في طياتها بوادر انتفاضة ثالثة لن تكون في صالح أحد ولكنها سوف تكون انفجاراً اضطرارياً تتحمل إسرائيل فقط المسئولية الكاملة عنها.
ولفت اللواء محمد إبراهيم إلى أن الموقف الأمريكي لم يكن متوائماً مع الآمال التي عُقدت عليه بشأن التحرك لدفع عملية السلام حيث لم يبذل أي جهد ملحوظ في هذا الشأن، ولم تتحرك واشنطن بشكلٍ جدي إلا في أعقاب الحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة في مايو 2021 وكثفت جهودها من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار برعاية ووساطة مصرية ناجحة.. وقال: “وفي رأيي أن تجاهل إدارة الرئيس جو بايدن أو إسقاطها صفقة القرن يمثل أحد أهم إيجابيات هذه الإدارة إلا أن هذا الموقف ليس كافياً على الإطلاق حيث أن المطلوب أمريكياً أن ينتقل مبدأ حل الدولتين من الجانب النظري إلى الجانب العملي قدر المستطاع، ويظل السؤال المطروح متى تتحرك واشنطن ؟ وماذا يمكن أن يدفعها للتحرك ؟ وماذا تنتظر ؟”.
وأضاف: “وبالرغم من عدم وجود تغيير دراماتيكي في الموقف الأمريكي إلا أنني ما زلت أعقد الأمل في أن تبدأ واشنطن التحرك في أعقاب التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، وإذا كانت الولايات المتحدة راغبة في إحراز تقدم في عملية السلام فلابد لها أن تستثمر علاقاتها الجيدة مع إسرائيل ومصر والأطراف المعنية الأخرى، كما يجب عليها أن تستثمر مرونة واعتدال القيادة الفلسطينية الحالية من أجل دفع عملية السلام، وآمل أن تسارع واشنطن في وضع آلية للتحرك في هذا المجال تحسباً من أن تصل الأوضاع في الضفة الغربية إلى حالة من التوتر أو الانفجار غير المحسوب لا يمكن لأية جهة السيطرة عليه”.
واستطرد أنه “مع تقديرنا الكامل لكافة التحركات التي تقوم بها بعض الدول الأوروبية والمنظمات الدولية لدفع القضية الفلسطينية، إلا أن هذه التحركات تظل أسيرة للبيانات والقرارات والمبادئ الجيدة التي يتم التأكيد عليها خلال اجتماعاتهم ولكن دون أن تتحول إلى واقع يمنح الفلسطينيين بعض حقوقهم فيما عدا دعم الجانب المعنوي الذي لم يعد يضيف جديداً ، وهنا لا يمكن أن ألقي المسئولية على الجانب الأوروبي أو الأممي نظراً لأن الموقف الإسرائيلي المتشدد يقف بالمرصاد وبقوة أمام أى تحرك جاد لصالح الفلسطينيين”.
وقال: “وبالرغم من كافة المعوقات والصعوبات المرتبطة بالقضية الفلسطينية إلا أنني لن أفقد الأمل في أن نرى الدولة الفلسطينية في يومٍ ما حقيقة واقعة وعلى إسرائيل، ومن هنا أطالب بأن يكون عام 2022 هو عام القضية الفلسطينية، وأن يتم بذل الجهد العربي والفلسطيني أولاً ثم الجهد الدولي من أجل تحقيق هذا الهدف والتركيز على استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية قبل انتهاء الربع الأول من العام الحالي بآليات ليس من الصعب التوافق عليها”.
واختتم الدويري مقاله بقوله: “سوف تستمر قناعتي التي لن تهتز أبداً وبدون أية مبالغة بأن مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تعد أقدر دولة في العالم أجمع مؤهلة لقيادة هذا الجهد الكبير بالتنسيق مع بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي يمكن أن تساعد بفاعلية في تحقيق هذا الهدف وخاصة (الأردن عربياً والولايات المتحدة دولياً ) ودعونا نسير في هذا التوجه ونرى طبيعة النتائج التي سوف يسفر عنها ذلك الجهد ومن المؤكد أننا لن نخسر شيئاً ما دمنا نسعى إلى تحقيق آمال شعب يستحق أن يتحرر من آخر احتلال في العالم”.