هل تتذكرون فيلم “أرض النفاق” بطولة فؤاد المهندس وشويكار والمأخوذ عن رواية الكاتب الراحل يوسف السباعي؟!
والفيلم لمن لايتذكره ــ أو يشاهده ــ يدور في اطار خيالي كوميدي حول متجر لبيع الأخلاق..الكذب، النفاق، الشجاعة، الصدق، الخ، وفيه يذهب بطل الفيلم فؤاد المهندس الى المتجر لشراء “الشجاعة” بهدف مواجهة سطوة حماته، وتدور الأحداث والمواقف الكوميدية التي تنتهي بتغير شخصيته وحياته بشكل جذري.
هذا المتجر “الخيالي” أصبح موجوداً الآن في حياتنا ولكن ليس للبيع بل لعرض الأخلاق الحميدة فقط وماخفي كان أعظم، حيث يمكنك ارتداء مايحلو لك من أقنعة تطل بها على الناس بالصورة التي تريد أن يروك من خلالها.. وسائل التواصل الإجتماعي أتاحت لك هذا “الأوبشن” حيث اختلط العالم الإفتراضي مع الواقع بصورة عجيبة وغريبة ومثيرة.
ولو أن الأخلاق التي يظهرها ــ أو يعرضها ــ لنا الأصدقاء الأفتراضيون على الفيس وتويتر وأنستجرام وغيرها من الوسائل تتسق وتتماثل مع الواقع وتنصهر في معاملاتنا الحقيقية لأصبحنا نعيش في المدينة الفاضلة.. لكنها مجرد “فاترينة للأخلاق الحميدة” يقدم من خلالها كل منا نفسه بالصورة التي نريد أن يرانا غيرنا عليها ولاعلاقة لها من قريب او بعيد بالواقع على طريقة ماقدمه فيلم “أرض النفاق” قبل سبعين عاماً.
***
حالة الإزدواجية التي صنعتها أو ساهمت في تأصيلها وسائل التواصل حولتنا الى ملائكة وشياطين في ذات الوقت، نظهر ونعلن المثاليات عبر منشورات يغلب عليها الطابع الديني والأخلاقي، وفي الخفاء نفعل مايندي له الجبين.. البعض يأخذ الموضوع من باب الهزار “السخيف” والبعض الآخريرتكب جرائمه مع سبق الإصرار والترصد.
وفي الحالتين هناك ضحايا لمن يلهو ويمزح أو يدبر ويقصد، فمن صور صاحبة واقعة الرقص على المركب بصحبة أصدقائها، تسبب في هدم بيت وتشتيت أسرة كانت آمنة مطمئنة وهو أمر لو تعلمون عظيم.
والذي قام بفبركة صورة لفتاة في عمر الزهور لابتزازها وتشويه سمعتها كان سبباً مباشراً في إنتحارها والقضاء مبكراً على أحلامها وأحلام أسرتها.. دعك من الدروس المستفادة من نوعية ضرورة احتضان الأسرة لأبنائها واقامة حوار معهم حتى لايدفعهم الخوف الى هذا المصير، فتلك قضية أخرى.
ومن يتنمرون ليل نهارعلى عباد الله ويصيبونهم بمشاكل نفسية لاحصر لها تدفع بعضهم الى الإنزواء والعزلة وهو إنتحار معنوي ربما يتساوى أو حتى يفوق الإنتحار الحقيقي، هؤلاء مجرمون يستحقون العقاب حتى لو برر بعضهم مايفعله من باب “الهزار” فهزاركم سخيف ومرفوض.
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
***
“إليزابيث هولمز” الرائدة في مجال الهندسة الكيميائية بالولايات المتحدة الأمريكية وأصغر مليارديرة على مستوى العالم حيث لايتجاوز عمرها السابعة والثلاثين، مهددة بالسجن لمدة ثمانين عاماً، حسبما ذكرت صحيفة “وول استريت جورنال”، أما السبب فقد يراه البعض تافهاً حيث أنها وعدت بإحداث ثورة في مجال إختبارات الدم ثم تبين أن الأمر لايعدو كونه “فرقعة إعلامية” على وصف الصحيفة.
تصوروا طبقاً لهذا المعيار، كم شخص أو شركة أو مؤسسة لدينا تستحق التجريم والعقباب، في ظل حملات لاتنتهي للترويج لسلع ــ وأفكار ــ مزيفة والتلاعب بمشاعر وأوجاع الناس، مرة بتوفير كريمات سحرية لعلاج العظام واستعادة الشباب وأخرى للقضاء على تساقط الشعر في جلسات معدودة وثالثة لمعالجة زيادة الوزن والحصول على الرشاقة.. “ولو راجل كل”
وبالتوازي تنتشر التجارة “أونلاين” لتقديم سلع مضروبة وبعضها مختلف عن الذي تم عرضه على الفيس، وعندما تحاول التواصل مع البائع لإستبدال المنتج تكتشف أن الصفحة مزيفة وأنك وقعت ضحية لعملية نصب ظاهرها التجارة الألكترونية وباطنها التدليس على عباد الله.
لايعنينا حبس أو تبرئة “إليزابيث هولمز” ولكن الذي يعنينا هو عمليات الغش التي تحاصرنا في كل مكان، من الشبكة العنكبوتية الى القنوات الفضائية وغيرها من الوسائل الحديثة.