كنت أتردد بانتظام على مؤسسة دار الهلال، منذ منتصف التسعينيات، بحكم تعاملي مع عدد كبير من رسامى الأطفال بها، كانوا يرسمون في مجلة قطر الندى التى كنت أعمل بها سكرتيرا للتحرير، وارتبطت بصداقات حميمة مع رساميها، وقد تعاملت مع الرسام الكبير الراحل محمد التهامى فى أواخر سنوات عمره، كان رساما بارعا، شديد الاعتداد بنفسه لأنه رسام الأطفال الوحيد فى مصر الذى وصله خطاب شكر من مؤسسة والت ديزنى الأمريكية، لاتقانه رسوم الاستريبس، كما تعرفت على الفنان صلاح بيصار ، كان يستضيفنى بشهامة وكرم الريفي الذي لم تغيره المدينة فى مكتبه بمجلة حواء التي كان يعمل بها مشرفا فنيا، كنت سعيد الحظ إذ كان يرسم لى آنذاك بابا ثابتا بمجلة قطر الندى، بعنوان (حكايات شعبية)، ورغم علاقتي الطيبة برسامي مجلة سمير، إلا أني كنت أتهيب الدخول على رئيسة التحرير “ماما لبني”، وفى يوم تشجعت -بعدما جهزت عددا من قصائدى للأطفال- وطرقت باب مكتبها فسمحت لى بالدخول، وقابلتنى بابتسامة عذبة، عرفتها بنفسي وقالت لى: بصوتها العذب الخفيض أنني أتابع ما تكتبه فى قطر الندى من حكايات وأشعار، وأبدت إعجابها بقصائدى، فقدمت لها على استحياء قصائدى كى تنشرها فى المجلة، تناولت القصائد وهى تبتسم قائلة: “تنور سمير يا عبده” أستاذنتها فى الانصراف، خرجت من المجلة ولدى انطباع جميل عن هذه السيدة التى تدير مجلة عريقة قدمت أجيالا وأجيالا من كتاب ورسامى الأطفال، وتثقف عليها أطفال مصر والوطن العربي، وكانت المفاجأة السارة أن وجدت احدي قصائدي منشورة في مجلة سمير، وأصبحت من الشعراء الذين تحتفي بقصائدهم المجلة رغم حداثة عهدي بالكتابة للأطفال في ذاك الوقت، فى تلك الفترة تعرفت على عدد كبير من رسامى وكتاب مجلة سمير.
تعددت لقاءاتى ب”ماما لبنى” وكنت أكن لهذه السيدة المثقفة ثقافة رفيعة، الهادئة، الواثقة من نفسها، محبة واحتراما كبيرين، رأيت بعينى رأسي كيف كانت تتعامل بحب وحسم مع صحفى ورسامى المجلة المعينيين، كانت -رحمها الله-تري في مجلة سمير أنها بنتها البكر، تقضي الساعات الطوال فى مكتبها تراجع مواد العدد بنفسها كلمة كلمة، وتضع عناوين الموضوعات الصحفية وتعيد قراءة القصص، وتتأمل الرسوم، وتدقق فى كل تفصيلة من تفاصيل المجلة، تنمقها وتجملها كأنها عروس ستزف إلى عريسها فيخرج العدد فى أبهى وأجمل صورة، وما تلبث أن تراها تمر بخفة الفراشة بين مكاتب الصحفيبن والرسامين التى كانت مكدسة فى حجرتين أو ثلاث على ما أذكر تتابع بنفسها أداءهم وتحفزهم على العمل لم تغب البسمة عن وجهها، رغم قوة شخصيتها وحزمها في العمل، فلا تتهاون مع المقصر تحذره من التمادى فى الإهمال، لذا كانوا جميعا يخشونها ويتجنبون الوقوع في الخطأ، لذا نجحت فى رئاسة تحرير المجلة سنوات طويلة، استطاعت خلالها أن تتغلب على كل الصعاب التى واجهتها حتى صارت مجلة سمير أهم مطبوعة للأطفال ليس فى مصر وحدها بل على مستوى الوطن العربي.
وأذكر فى عام ١٩٩٧ أرسلت لى كى أكون ضمن المتدربين في الدورة التدريبية “صحافة وثقافة الأطفال” التي أقامتها مؤسسة هانزايدل الألمانية بالاشتراك مع مجلة سمير لمدة خمسة شهور متتالية فى معهد التليفزيون، وضمت عددا كبيرا من خيرة كتاب ورسامى الأطفال في مصر، وكان الراحل الكبير عبد التواب يوسف أحد المتدربين، هو والشاعر الراحل أحمد زرزور، وقد تعلمت الكثير في هذه الدورة على أيدي أساتذة كبار متخصصين في المجال.
ولولا محبة نتيلة راشد الشهيرة ب”ماما لبنى” ما كنت متدربا بهذه الدورة، ظلت علاقتى طيبة بالراحلة النبيلة إلى أن غيبها الموت في ٢٦ مايو ٢٠١٢، لكن ذكراها العطرة حاضرة، لما قدمته من جهد كبير في مجال صحافة وثقافة وترجمة أدب الأطفال، وستظل جهودها محفورة فى الذاكرة العربية ما دامت الحياة