“فهيمة” .. دفعت حياتها ثمنًا لتصرفات ابنها !
“سلفتها” خلصت عليها بعد مشادة حادة بسبب تلصص نجلها عليها من أعلى سطح المنزل
استغلت وجود الأقارب فى حفل زفاف واستدرجتها بحجة مشاهدة ” المطبخ الحديث “
عاتبتها بشدة .. هشمت رأسها بقطعة حديدية .. استولت على مصوغاتها الذهبية .. وألقت الجثة فى حوش مهجور
كتب – عبدالرحمن أبوزكير :
” العتاب على قدر المحبة ” .. مقولة شائعة تشير إلى رغبة الشخص فى الحفاظ على العلاقة التى تجمعه بالطرف الآخر حتى يدوم صفاء القلوب، لكن العتاب إن لم يلتزم بالقواعد الحاكمة ومنها تجنب المبالغة، والانفعال، ورفع الصوت، واختيار الوقت والمكان المناسبين؛ فإن الأمر قد يتحول من جلسة عتاب إلى خلاف حاد قد يتفاقم مسببًا العديد من الآثار السلبية .. وهذا ما حدث فى إحدى قرى مركز قوص بمحافظة قنا، بعدما دفعت ربة منزل حياتها ثمنًا لجلسة عتاب مع سلفتها التى كانت تتضرر من تصرفات نجل القتيلة الذى كان يتلصص عليها برفقة أصدقائه من أعلى سطح المنزل.
كانت دقات الساعة تشير إلى الثانية والنصف صباحًا، حينما عاد “محمود.أ.م.ع” 59 سنة ذلك المواطن البسيط المقيم بناحية نجع العاقولة التابع لقرية حجازة بحرى بمركز قوص بمحافظة قنا ويعمل كاتب أول بمعهد نجع سند الإعدادى الأزهرى، من حفل زفاف أحد أقاربه بذات الناحية، ولاحظ عودة الجميع من حفل الزفاف ما عدا زوجته “فهيمة.س.م.س” البالغة من العمر 43 سنة، والتى كانت قد ذهبت إلى العرس منذ الصباح الباكر تساعد الأهل والأقارب فى ترتيبات الزفاف كما هو معتاد فى قرى الصعيد.
ظن الزوج أن زوجته خشيت أن تعود بمفردها فى الطريق ليلًا فانتظرت عند أقاربهم أصحاب العرس، فعاد مرة أخرى يسأل عنها، ليخبره أهل الدار أنها لم تعد من مكان الحفل ربوأنها أخبرتهم أنها ستعود إلى منزلها وأنها غادرت الحفل مبكرًا ولم تنتظر حتى انقضاء السهرة.
اتصل الزوج على نجله الذى كان ينتظر فى المنزل يسأله هل عادت والدته؟؟ .. فكان الرد بالنفى صادمًا للجميع !! فاستغل الرجل وجود الأقارب وتجمعهم عقب الزفاف لينتشر الجميع فى أنحاء القرية، الكل يبحث عن الزوجة التى خرجت ولم تعد.
لم تستمر رحلة البحث طويلًا، فبعد لحظات من التحركات الواسعة التى قادها أفراد الأسرة بمعاونة أهل القرية، كانت المفاجأة الصادمة .. فقد عثر الأهالى على الزوجة ملقاة داخل حوش بالقرب من مسكن الأسرة وبها آثار دماء على الوجه والرأس ومازالت الدماء تتدفق، حتى ظن الجميع أنها لا تزال على قيد الحياة، ولكن هذه الظنون تبددت سريعًا بعدما تبين توقف نبضات القلب وقد لفظت الزوجة أنفاسها الأخيرة.
وقف الجميع يضربون كفًا بكف، بعدما تحولت فرحتهم إلى مأساة، وقد انتهت الليلة السعيدة بجريمة قتل بشعة .. فبينما يقف الزوج والابن بجانب الجثة فى حالة ذهول، خرج البعض يسارع هناك وهناك بحثًا عن مرتكب الجريمة بما تأكد لهم وقوعها قبل دقائق حتى أن الدماء لم تجف بعد.
وفى نفس الوقت بادر الأهالى بإبلاغ الشرطة بالواقعة، فانتقل على الفور الرائد محمد الملقب رئيس مباحث مركز قوص، بعد تلقيه بلاغًا من الأهالى بالعثور على جثة سيدة فى العقد الرابع من العمر تدعى “فهيمة.س.م.س” 43 سنة ومقيمة نجع العاقولة بقرية حجازة بحرى بدائرة المركز، وملقاة داخل حوش أسفل مجموعة نخيل بزمام القرية.
رئيس مباحث مركز قوص بادر لدى وصوله إلى موقع الجريمة على رأس قوة أمنية مكبرة، بسؤال المدعو “محمود.أ.م.ع” – زوج المجنى عليها – والذى أفاد بأن الأهالى عثروا على زوجته بذات المنطقة محل البلاغ جثة هامدة، وأضاف أنها كانت تحضر عرس لأحد أقاربه من أبناء العمومة، وبعد انتهاء الحفل وعودته للمنزل اكتشف تأخرها وبالبحث عنها برفقة أهالى القرية عثروا عليها مقتولة وملقاة داخل الحوش وبها العديد من الإصابات وأنها مجردة من مصوغاتها الذهبية، وأنه يشتبه فى وفاتها جنائيًا وسرقة مصوغاتها الذهبية مع عدم علمه بشخص مرتكب الواقعة .
تم إخطار نيابة مركز قوص، وانتقل فريق من النيابة بقيادة أسامة عبدالمنعم وكيل النائب العام، وبعد مناظرة الجثة أمر بنقلها إلى مشرحة مستشفى قوص المركزى وندب الطب الشرعى لتشريح الجثة وبيان ما بها من إصابات وسببها وكيفية حدوثها والأداة المستخدمة فى التعدى عليها والسبب الذى تعدو إليه الواقعة، وموقف الضارب والمضروب والمستوى واتجاهاته، مع طلب تحريات المباحث حول الواقعة وظروفها وملابساتها للوصول إلى شخص مرتكب الحادث، كما أمر وكيل النيابة بندب الأدلة الجنائية للانتقال إلى محل الواقعة لرفع البصمات وأخذ بصمات من المتوفاة للوقوف على الواقعة وأسبابها وكيفية حدوثها وبيان ما إذا كانت توجد آثار للعنف من عدمه.
قرر مدير أمن قنا تشكيل فريق بحث لكشف ملابسات وظروف الواقعة، وبدأت مباحث مركز قوص فى الاستماع لأقوال أفراد الأسرة والجيران وعدد من الأهالى الذى حضروا حفل الزفاف، مع توسيع دائرة الاشتباه وعدم استبعاد احتمالية تعرض للمجنى عليها للسرقة أثناء عودتها من حفل الزفاف.
بدأت مباحث قوص تضع يدها على أول خيوط فك لغز الجريمة، بعد الاستماع لأقوال أفراد الأسرة والجيران الذين أجمعوا على حسن أخلاق ومعاملة المجنى عليها مع الجميع وعدم وجود خلافات مع أحد طيلة حياتها، إلا أن زوجة شقيق زوجها – سلفتها – كان لها رأي آخر بعدما تلعثمت فى أقوالها وبدأت تتخبط وترتعد كلما وجه لها أحمد عبيد وكيل النيابة سؤالًا.
وفى تلك الأثناء كانت جهود فريق البحث الجنائى قد توصلت إلى مرتكب الواقعة، بعدما بينت التحريات أن وراء ارتكاب الواقعة المدعوة ” صفاء .أ.م.ا” البالغة من العمر 28 سنة، وهى زوجة شقيق زوج المجنى عليها – سلفتها – وذلك لوجود خلافات عائلية بينهما، وقد ارتكبت الواقعة مستخدمة فى ذلك آلة حادة.
وبمواجهة المتهمة حاولت فى بداية الأمر أن تنكر صلتها بالواقعة، وأشارت إلى أنها تقابلت مع المجنى عليها فى حفل الزفاف وسلمت عليها ولم تشاهدها بعد ذلك، ثم عادت وقالت أن المجنى عليها زارتها فى منزلها أثناء العرس بعدما وجهت لها الدعوة لمشاهدة مطبخ حديث بالمنزل، وبمواجهتها بأقوالها المتضاربة لم تتماسك طويلًا فإنهارت واعترفت بارتكاب الواقعة.
اعترفت المتهمة “صفاء.أ” بوجود خلافات بينها وبين – سلفتها – المجنى عليها ” فهيمة.س ” بسبب قيام نجل القتيلة المدعو “محمد.م” باستضافة أصدقائه فى المنزل لمساعدته فى بناء الشقة الخاصة به فى الطابق العلوى، وقيامه برفقة اصدقائه بمضايقتها وهى تجلس فى بيتها المجاور لهم والنظر عليها من أعلى المنزل وازعاجها بشكل متكرر.
وأضافت المتهمة فى أقوالها أمام وكيل نيابة قوص، أنها تقابلت مع المجنى عليها فى حفل زفاف أحد أقاربها وكانت تجلس بجوارها وتحدثت معها فى أمور عادية ثم طلبتها منها أن تقوم بزيارتها أثناء عودتها من حفل الزفاف لتشاهد مطبخ حديث وأبعض الأدوات المنزلية قامت بشرائها مؤخرًا بعدما أرسل لها ثمنها زوجها الذى يعمل فى إحدى الدول العربية، وعللت رغبتها فى مغادرة حفل الزفاف بسبب نوم طفلتيها ” أمانى ” البالغة من العمر 9 سنوات و ” آلاء ” البالغة من العمر 4 سنوات .
وكشفت أوراق القضية أن المتهمة أشارت إلى أنها بعد وصولها للمنزل حضرت ” سلفتها ” – فهيمة. س – وجلست معها ثم أخذت تعاتبها على تصرفات نجلها وقيامه برفقة أصدقائه بالتلصص عليها وهى تجلس فى منزلها ومضايقتها متعمدًا .. وقالت أنها فوجئت بالمجنى عليها تنفعل وتتعدى عليها بالشتم والضرب بعدما رفضت الاتهامات الموجهة لنجلها، وقالت أنها حاولت الدفاع عن نفسها نتيجة ضرب المجنى عليها لها فأمسكت بقطعة حديدية وما إن شاهدتها المجنى عليها حاولت الهرب والاستغاثة بالجيران ثم هربت من باب المنزل المؤدى إلى الحوش المعثور عليها بداخله فلاحقتها وهناك انهالت عليها ضربًا بالقطعة الحديدية فوق رأسها وعلى وجهها مما أدى إلى وفاتها.
واعترفت المتهمة بقيامها بالاستيلاء على المشغولات الذهبية الخاصة بالمجنى عليها وهى عبارة عن عدد 3 غوايش وقرط ذهبى وسلسلة بدلاية ودبلة وخاتم، وأشارت إلى قيامها بالانصراف من موقع الجريمة والعودة إلى المنزل واخفاء المشغولات الذهبية أعلى مسكنها أسفل كومة من التراب والقش.
وقالت أنها لم تكن تقصد قتل المجنى عليها وإنما كانت ترغب فى معاتبتها فقط على تصرفات نجلها.. أضافت : ” أنا وهى كنا أصحاب وحبايب وكنا بنحكى لبعض كل حاجة .. لكن رد فعلها وتعديها علي بالضرب والشتم والتهديد جعلنى لا أشعر بنفسى .. وأنا ندمانة جدًا على وفاتها .. مكنش قصدى انى أعمل كده ” .. فيما عللت الاستيلاء على المشغولات الذهبية حتى تشكك فريق البحث وتوحى بأن الجريمة تمت بغرض السرقة وتبعد الشكوك عنها.
وبإرشاد المتهمة، تمكنت أجهزة الأمن من العثور على القطعة الحديدية المستخدمة فى الواقعة، كما أرشدت على كيس أسود به المشغولات الذهبية أعلى سطح المنزل.
وعقب انتهاء النيابة العامة من التحقيقات فى الواقعة التى شهدها نجع العاقولة بقرية حجازة بحرى بدائرة مركز قوص فى 4 / 8 / 2020 ، أمر المستشار مصطفى عباس المحامى العام لنيابات قنا بإحالة المتهمة “صفاء.أ.م.ا” 38 سنة، إلى محكمة جنايات قنا لقيامها بقتل المجنى عليها “فهيمة.س.م.” 43 سنة، عمدًا مع سبق الإصرار بأن بيتت النية وعقدت العزم على قتلها وأعدت لهذا الغرض سلاح أبيض ” قطعة حديدية من الصلب”، وما إن ظفرت بها حتى كالت لها عدة ضربات قاصدة من ذلك قتلها، فأحدثت بها الإصابات الموصوفة فى تقرير الصفحة التشريحية، كما وجهت لها النيابة العامة تهمة إحراز سلاح أبيض ” قطعة حديدية صلبة ” مما يستخدم فى الاعتداء على الأشخاص.
وبعد عدة جلسات لنظر القضية التى حملت رقم 17940 لسنة 2020 جنايات مركز قوص والمقيدة برقم 1448 لسنة 2020 كلى قنا، أصدرت محكمة جنايات قنا حكمها بحبس المتهمة 10 سنوات مع الشغل، وقد أصدر الحكم المستشار عبدالباسط قاسم محمد رئيس المحكمة، بعضوية المستشارين أحمد صهيب محمد حافظ ومحمد عمر عبدالجواد وبحضور على جمال مدير النيابة، بأمانة سر رمضان عرابى وأشرف خلف الله.