…………………… »»
بقلم ✍️ أحمد رفاعي ( أديب وروائي)
توقف بنا الحديث في المقال السابق عند خطورة نشر السلوكيات الخاطئة، وأكدنا على حقيقة أن السلوك يشبه المرض في كونه معدياً، ولذلك اتفقنا على ضرورة فلترة السلوكيات الجديدة وتحليلها وتقييمها بتمريرها عبر فلاتر الدين والثقافة والعادات والتقاليد والأخلاق قبل أن نعلن قبولها أو رفضها.
واليوم نستكمل ما بدأناه ونعود إلى السؤال المهم: لماذا تنتشر السلوكيات الخاطئة؟ وللإجابة عن هذا السؤال دعونا نبحث في أرجاء الواقع المجتمعي عن سمات السلوكيات الجديدة، وبأدنى مجهود سنكتشف الآتي:
أولاً: كلما زاد عدد الذين يتبنون سلوكاً ما، زادت شرعيته. حقيقةٌ لا ينكرها أحد ، فإذا أردت أن تشرعن أي سلوك أو فكرة أو تصرف ما عليك سوى إقناع أكبر عدد ممكن بتبنيه والموافقة عليه. عندها لن تكون في حاجة للدفاع عنه والدعاية له فتلك مهمة سيقوم بها غيرك. خذ مثالاً على ذلك ما يفعله المهوسون بمقاطع اليوتيوب أو التيك توك حين يقومون بشراء مشاهدات تتجاوز الملايين لكي يضمنوا نجاح المواد التي ينشرونها مهما بلغ سقوطها، إذ يصبح ما يقدمونه قمة العقلانية والفائدة إذا تصدر التريند. وتلك طامة كبرى. فما أكثر المحتويات التافهة التي أصبحت جزءً من حياتنا لا لشيء سوى أن الملايين يشاهدونها بدافع الفضول أو المقت أو السخرية وهم لا يدرون أنهم يمنحونها الشرعية اللازمة لضمان انتشارها وتبنيها. وما أكثر الأمثلة في الآونة الأخيرة مثل “انتش واجري” و “أغنية البطة” وغيرها من ملوثات الفكر والأذن والنظر. ولحل تلك المشكلة أوصي نفسي وأوصيكم بضرورة البعد عن تلك التفاهات ومقاومة مشاهدتها أو متابعتها أو حتى المشاركة في انتقادها فأي من تلك التصرفات هو بمثابة صك الشرعية الذي نمنحه لها فيزيد انتشارها رغم أنوفنا. العقل يقول إننا يجب أن نهملها وألا نصرف من أوقاتنا الثمينة ولو لحظات لإشباع فضولنا في رؤيتها. اقتلوا السلوكيات السلبية والأفكار الفاسدة والأعمال المنحطة بصدها والنأي بالنفس والعقل عنها فذلك أدعى لنسف مصداقيتها.
ثانياً: كلما زاد عدد الذين يتبنون سلوكاً ما، زاد تصديق الناس فائدته. وتلك مصيبة أخرى. فمن الحقائق المجربة عن السلوك أن الناس يصدقون فائدة أي تجربة أو فكرة جديدة إذا زاد عدد المؤمنين بها. وأوضح مثال على ذلك طوفان الإعلانات التي تخرج على الشاشات صباح مساء وهي تعرض لنا عشرات الأشخاص الذين استفادوا من منتجٍ ما كأقراص التخسيس أو زيوت الشعر، وليس لهم هدف سوى إقناعنا بفائدة تلك المنتجات فإذا هم نجحوا في ذلك لم يحتاجوا لمزيد إعلانات ودعايا. فقط يكفيهم أن يصدق الناس أن منتجاتهم نافعة والباقي دور الزبون. قس على ذلك المثال أي سلوك جديد. ففي اللحظة التي يزداد عدد الذين يتبنون سلوكاً جديداً ولو كان خاطئاً يزداد عدد الذين يؤمنون بفائدته وضرورة وجوده في حياتهم بما يزيد من فرص انتشاره في المجتمع حتى يصبح جزء لا يتجزء من حياتنا وحياة أبنائنا.
وهل منصات الأفلام والمسلسلات ك Netflix إلا دليل على ذلك؟ لقد ابتلي شبابنا وفتياتنا بفتن وأخلاقيات لم نكن نسمع عنها في زماننا وباتوا يؤمنون بها ويتبنونها لأنهم اقتبسوها من تلك المنصات دون رقيب أو حسيب.
وإذا ذهبت تقومهم وتحذرهم وقفوا لك مدافعين عن تلك المنصات بحجة أنها نافعة وهادفة ودليلهم على ذلك انتشارها بين الملايين على وجه الأرض، فلا يَسَعُكَ إلا أن تنسحب من الحوار وأنت تعض على يديك من الحسرة على أجيال تقتلها العولمة والاغتراب ببطء، ولذلك من الضروري جداً أن نتكاتف في مواجهة السلوكيات السلبية والأفكار المشوهة وأن نتعاون في إبراز مفاسدها وتوضيح ضررها الذي يظنه الأبناء نفعاً وتلك مسؤولية كبيرة تحتاج لاستمرارية وعدم استسلام كما ذكرنا في المقال السابق.
ثالثاً: يمكن تقليل التبعات على سمعة الفرد عقب قرار خطأ، لو اتخذ الآخرون أيضاً القرار نفسه.
وذلك معناه ببساطة أن السلوكيات الخاطئة تكتسب حمايةً قويةً بكثرة الذين يرتكبونها. فإذا أصبحنا جميعاً مخطئون، هان الخطْبُ وقلت المصيبة ولا داعي للوم فكلنا في الهوا سوا، فكما قلنا تزداد قيمة السلوك بالنظر إلى عدد الآخرين الذين يتبنونه، وبناءً عليه تصبح فرصة تقبل الخطأ أكبر في حالة ارتكاب الآخرين له. ولذلك يجب علينا آباءً ومعلمين ومربين أن نحذر من التمادي في الخطأ، بل ويجب علينا إفاقة الواقعين فيه لكي نقلل من أعداد الذين يتبنون ذلك الخطأ حتى لا يصل إلى حد الشرعية والقبول، فالنفس إذا اعتادت الحرام أَلِفته والعقلُ إذا اعتاد الخطأ تقَبَلَه.
الخلاصة؛ أسباب انتشار السلوكيات الخاطئة كثيرة ولو تركنا العنان للقلم لما توقف، ولكن يبقى ما ذكرناه بعضاً من أهمها وأكثرها شيوعًا لذا وجب التنبيه عليه، فالمسؤولية