من صفات المقامر أن الخسارة تدفعه إلى مواصلة اللعب بأمل تعويض ما فقده. يهمل الأصوات المحذرة، والمشفقة، وربما التحذيرات التي تتصاعد في داخله، يصر أن يواصل اللعب، لا يأبه بالخسارة، ولو كانت التنازل عن متعلقاته الشخصية، يركبه الجنون حتى المأساة.
هذا هو حال من كانت تحاصره قضايا الفساد، نظر القضاء في اتهامات ضده، قد تودي به إلى السجن. حاول تعديل القانون استهدافًا للتبرئة، فنزل أبناء شعبه الشوارع يطالبونه بتسليم نفسه للشرطة، توطئة لمحاكمته. نزعوا عنه الثقة، لأنه – في تقديرهم – غير أهل للقيادة.
مثلت أحداث السابع من أكتوبر تحديًا قاسيا لقدرته على قيادة شعبه، إلى حد مصارحة الرئيس الأمريكي بايدن له بانتهاء حياته السياسية. تضافرت التحديات بما يدفع – في كل الظروف – إلى الإقرار بالهزيمة. فعلها عبد الناصر في نكسة يونيو.
لكن المقامر تحدى المائدة. لم يحاول المراجعة، ولا تدبر ما حدث، فيتخذ القرار الصواب، لكنه فضل المواصلة بأسلوب المقامر. وإذا كان الجالس على مائدة القمار يتناسى الخسارة بأمل التعويض، فإن الجالس على كرسي الحكم لا تأخذه الخسائر، حتى لو أفضت به بشاعتها – في النهاية – إلى مصير يستحقه.
ولعلنا نذكر القائد الصربي الذي دفع في فمه حبة السيانيد، بعد أن قضت المحكمة الجنائية الدولية بسجنه مدى الحياة، لقاء جرائمه ضد مواطني البوسنة.
كطبيعة المقامر، فإنه – بإحساس المغامرة – يريد أن يقلب المائدة، يبدل الصورة بعكس ما هي عليه.
رفض الهدنة الإنسانية، وتغافل عن المظاهرات المنددة بالمذابح التي يرتكبها جنوده في المدن الفلسطينية، وعلى الرغم من دعوة المقاومة لتحقيق دولي حول الادعاء بأن المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس واجهات تخفي عناصر المقاومة، فإن الجيش الإسرائيلي واصل غاراته المدمرة، دون وازع أخلاقي أو إنساني.
وفي تصريحات تكشف ارتباكه، تكلم المقامر عن تمثيل بلده للحضارة الغربية، بمعنى أنه لا ينتمي إلى هذه المنطقة، لا ينتمي إلى الشرق العربي، قوامه عابرون، محتلون، كما فعل المستوطنون الأوروبيون في الهنود الحمر، الأصحاب الحقيقيين لأمريكا.
إنه تصريح يلغي محاولات تأصيل وجود المستوطنين الإسرائيليين في الوطن العربي!
رفض المقامر أن تكون الهدنة الإنسانية مدخلًا لانقضاء حياته السياسية. جعل هزيمة المقاومة الفلسطينية هدفًا، أسقط كل الاعتبارات لبلوغه. رفض حتى النصائح الهامسة للرئيس الأمريكي ووزير خارجيته بأن يعيد النظر في أفعاله اللامسئولة. أصم أذنيه، وأغمض عينيه عن عشرات الألوف من المتظاهرين الذين نددوا بزعاماتهم السياسية لمواقفهم المؤيدة للعدوان.
وحين أراد التنصل من تهمة الإهمال في السابع من أكتوبر، واجه ما اضطره إلى الاعتذار عن محاولته إلصاق التهمة بقادة الجيش، كذب اتهامه، واعتذر، واستصدر بالتمرير – أي بالتليفون – قرارًا من مجلس وزرائه بإغلاق قنوات فضائية أجنبية تفضح جرائمه.
حتى المساءلة القانونية التي تقف به أمام القضاء المحلي، والإدانات التي قد تودي به إلى المحكمة الجنائية الدولية لا تهمه. إنه يريد الخلاص على أي نحو.
أرى في تهديد أحد وزراء حكومة المقامر بإلقاء قنبلة ذرية على غزة، انعكاسًا لمنطق التدمير الذي يتبناه المقامر. لم تشغله أرواح مواطنيه، فالتأثيرات لن تقتصر على رقعة محدودة، ولا أرواح مئات الألوف من البشر، ولا حتى صدى الجريمة في العالم. قلد المقامر سلفه نيرون في العزف بالقيثارة على مدينة تحترق، ما حفز الوزير على معانقة الجنون!
المثل العربي يتحدث عن المستجير بالرمضاء بالنار. وقد استجاب المقامر من رمضاء الإدانة بالفساد إلى نيران الثورة عليه من مواطنيه، ومن تصدي المقاومة لممارساته ضد الشعب الفلسطيني، ومن غضب الرأي العام العالمي. حتى راعيه لم يتردد في مصارحته: لم يعد أمامك سوى الرحيل!