بقلم ✍️ رضا سُليمان
(أديب وروائي ومخرج)
التزام مسرح الدولة، كجهة رسمية مسؤولة عن حمل مشعل الثقافة والتنوير، بتقديم الأعمال المسرحية الثقافية، أو العميقة جدا، من روايات عالمية ومسرحيات تاريخية ودينية، الفصحى لغتها، وهي أعمال لم ولن يقترب منها المسرح الخاص، فكان أن قدم القطاع الخاص الأعمال الكوميدية الخفيفة، والخفيفة جدا، مقابل هذا الثقل الذي يختص به مسرح الدولة.
هذا الالتزام ترك انطباعا عاما، وهو انطباع يُورث بالمناسبة، بأن مسرح الدولة بعيد عن الجماهيرية، ورواده هم مجموعة من كبار السن والمتخصصين فقط، وليس مسرحا جماهيريا يقدم وجبات مسرحية تناسب كافة الأذواق الجماهيرية، ونادرا ما كان يخرج عرض مسرحي من إنتاج الدولة عن هذه القاعدة وينافس المسرح الخاص.
ويتوقف جذب الجماهير إلى مسرح الدولة على مدى إمكانية التعاقد مع “نجم محبوب” يستطيع بجماهيريته ضمان النجاح لهذا العمل المسرحي.
والنماذج هنا كثيرة ولن يسمح المقال بسردها. وهنا نصل إلى جزئية مهمة للغاية وهي هل حقًا مسرح القطاع الخاص يتفوق، في جماهيريته، على مسرح الدولة؟ الإجابة بكل بساطة “لا”، وهناك الكثير من العروض المسرحية من إنتاج الدولة تفوقت جماهيريًا على مسرحيات نجوم القطاع الخاص، لكن ماكينة الدعاية تتفوق لدى القطاع الخاص عن مثيلتها، شبه المعدومة، في مسرح الدولة، فلا يغيب عن أحد أهمية الدعاية في الترويج للعمل لجذب عدد أكبر من الجماهير بما يعني شباك تذاكر مزدحم ومكاسب أعلى، وهذا هو هدف المسرح الخاص، لكن مسرح الدولة الذي يهدف إلى تقديم ثقافة مُرفِهة، وترفيه مُثقِف، يمكن أن يسقط بند الدعاية من حساباته، وهذا خطأ للأسف، لذا فإن القطاع الخاص اكتسب، عبر الدعاية، ميزة أنه أكثر جماهيرية من مسرح الدولة، وهذا أمر يحتاج إلى دراسات متخصصة تبحث في حقيقة الأرقام ومن خلال تحليل هذه الأرقام يتم الوصول إلى نتائج حقيقية.
جذب النجم للعمل في مسرح الدولة أمر مُرهق للغاية، فهناك التزامات وقيود وتفاصيل كثيرة لا يتعثر فيها النجم في القطاع الخاص، ثم هناك المقابل المادي للنجم الذي يتضاعف في القطاع الخاص عن مسرح الدولة، إذن نحن أمام عمل وجهد كبير والتزام بأمور غاية في الأهمية مثل التثقيف والتنوير كما ذكرنا، ومثل الاهتمام بتنمية الوعي بالوطن والانتماء والأخلاق وغيرها من الأمور التي قد لا يهتم بها القطاع الخاص الذي يبحث عن الإضحاك كميزة أولى.
من هؤلاء النجوم الذين اهتموا بالقيمة الفنية وتعاون في أكثر من تجربة مع مسرح الدولة الفنان المتميز والمجتهد سامح حسين الذي شارك بعروض منها “المتفائل، حلم جميل، عامل قلق”، وهذا العمل الأخير هو محور حديثي اليوم.
“عامل قلق” عرض مسرحي على مسرح البالون استطاع أن يصل إلى تعليق لافتة كامل العدد، فقد جذب الجماهير إلى مسرح الدولة بشكل لم يحدث من قبل إلا قليلا، عرض استطاع تحقيق المعادلة الصعبة وهي الدمج بين مسرح الدولة ومسرح القطاع الخاص، حقق إيرادات ضخمة قلما حدثت في مسارح الدولة الأمر الذي يجعله اسم على مسمى، فهو حقيقة عرض “عامل قلق” على مسرح الدولة.
عرض “عامل قلق” يبحث عن القيمة الجمال من خلال البطل باسم “سامح حسين” والبطلة نادية “سمر علام”، باسم الفنان الذي ترك الصعيد وسافر إلى القاهرة كي يعمل كملحن ويحقق حلمه في فرقة موسيقية ذائعة الصيت، لكنه يفشل لتمسكه بأسلوب فني معين لا يتماشى مع الموجات الموسيقية العاتية، حتى إنه يُفلس تماما ويُطرد من شقته إلى الشارع، في نفس التوقيت يلتقي بنادية التي تركت الإسكندرية منذ ثلاث سنوات وسافرت إلى القاهرة لتعمل وتحقق حلمها فى إثبات أن الفتاة ليست للزواج والمنزل فقط، ولكنها تفشل وتتواجد في نفس المكان مع باسم، لحظات يأس تجمعهما بدون ترتيب مسبق، وكي ينشأ الصراع وتتوالى الأحداث يبحث كل منهما عن مكان ليرتاح فيه، ولا يوجد غير مقعد واحد ويحدث الصدام، ويجتمع المارة حولهم وكأنهم زوجين في خناقة في الشارع، وفى محاولة للتهدئة، وهي إشارة إلى التدخل الغريب من بعض الأشخاص فيما لا يعنيهم أو يخصهم، يصرون على الصلح بين الزوجين ولا يتركون لهما فرصة للتأكيد على أنهما ليسا زوجين، حتى إن عددًا من رواد السوشيال ميديا يقومون بالتصوير والنشر في كل الوسائل ويأتي برنامج تلفزيوني “بشكل كوميدي طبعا” ليقوم بالصلح ويعطي مكافئة نصف مليون جنيه، وبعد صراع خارجي وداخلي للبطلين باسم ونادية يتفقان على عمل مشروع عبارة عن تطبيق اسمه “الطبطبة” وهنا يظهر الهدف الرئيسي من العمل، فالجميع يلهث داخل هذه الطاحونة المعروفة باسم الحياة، والجميع خائف، خائف من كل شيء، فهناك من يخاف من زوجته، وهناك من يخاف من جاره، ومن يهاف على أولاده من الغد، ومن يخاف أن يتم فصله من العمل لأنه لم يحقق المطلوب، ومن يخاف أن يفقد ما اشتراه لعدم سداد الأقساط، والعشرات من أسباب الخوف التي تقدمها الرواية على خشبة المسرح في إطار كوميدي. والحقيقة أن الجميع أبدع في تأدية دوره، الأزمة الوحيدة التي جعلتني أشفق على صُناع العمل كانت كثيرة أزماتنا وكثرة مخاوفنا الأمر الذي أدي إلى زحام في العمل تعامل معه المخرج المتميز إسلام إمام بحرفية عالية قدر الإمكان.
وأبطال العمل أبدعوا لمواكبة إبداع بطل المسرحية النجم سامح حسين طوال العرض، فهو كعادته يُقدم السهل الممتنع، وبالطبع أنا كرجل متخصص أعلم كيف تكون هناك جمل صعبه ولابد أن تخرج بأداء كوميدي في نفس اللحظة يرافقها أداء جسدي مناسب، وتخيل معي صديقي غير المتخصص أن هذا يحدث طوال عرض مباشر على خشبة المسرح لمدة ساعتين تقريبًا، وهذا هو ما يميز الفنان وينتقل به إلى منطقة النجومية، وقد وكان بيننا تعاون أنا والفنان سامح حسين من عشر سنوات تقريبا حينما قام ببطولة مسلسل من تأليفي بعنوان “زمبليطة ع الخريطة”.
وبالطبع سمر علام أبدعت مستغلة حالة القبول المصنوعة منها ملامحها، مستغلة قدراتها الفنية التي تشير إلى أنها إنسانة مثقفة تفهم جيدًا الكلمة والجملة الحوارية وما خلفها من معنى أو إسقاط. ودعوني أنتقل إلى شاب اسمه مصطفى سعيد والذي أتوقع له نجومية كبيرة في المستقبل، مصطفى قدم شخصيتين هما حسام وعم بهنسي، أتحدث عن شخصية حسام شخصية فمركبة للغاية، قدمها مصطفى بيراعة، شخصية الطفل الذي تربى على حكايات أمنا الغولة، وأبو رجل مسلوخة، وهنا تقدم الرواية دور الأسرة، فيأتي المدرس ويؤكد أن حسام منذ طفولته وهو خائف وجبان ويتعرض للتنمر والتحرش من زملائه، ويسأل باسم “سامح حسين” المدرس “وإنت عملت أيه؟ دورك يا أستاذ؟!” في إشارة إلى دور المدارس في التربية، فيصرخ المدرس بأنه كان يضربه، يجلده لأنه لا يأخذ عنده الدرس الخصوصي.
وهكذا يستمر العمل في تشخيص مشاكلنا وأزماتنا في إطار كوميدي خفيف، حيث يذهب باسم ونادية أصحاب تطبيق “الطبطبة” لحل مشاكل الجماهير، ليقدموا لنا روشتة صغيرة وسريعة هي أننا في حاجة إلى مَن يستمع إلينا، وليس مَن يتدخل في حياتنا، يستمع إلينا ويطبطب علينا ويحل لنا مشاكلنا التي يظهر لنا في النهاية ظانها بسيطة للغاية.
وهناك الفنان طارق دياب وهو مخرج إذاعي بالمناسبة يقدم شخصية المسؤول في إحدى شركات التسويق العقاري وكيف يتعامل مع الموظفين تحت رئاسته ويطلب منهم تحقيق تارجت يستحيل تحقيقه، وجميعهم يفعل المستحيل لكن بعضهم يفشل ويأتي صاحب الشركة ويفصل بعضهم ويفصل مديرهم “طارق دياب” الذي يسقط منهارًا في بئر الجنون على طريقة محمود عبد العزيز في فيلم العار. ويجب أن أفرد للفنان الشاب المتألق باسم سليمان الموهبة القادمة بقوة مساحة خاصة وأشير نحوه بكل تقدير وأقول للمخرجين سينما وتلفزيون استغلوا هذه الموهبة، بل هذه المواهب ولن تندموا.
الضغوط الحياتية كثيرة وما ينتج عنها من خوف وتوتر أكثر وأكثر، مما يؤدي إلى ارتكاب الكثير من الحماقات والكثير من التجاوزات والكثير والكثير من الأمراض.
في النهاية باسم “سامح حسين” عامل قلق ليس لأنه يثير المشاكل ويؤجج الصراعات، لا.. هو عامل قلق لأنه يتصدى للمشاكل والأزمات ويسعى معه نادية، التي يعلن زواجه بها مع نهاية العمل، إلى تبسيطها ومن ثم حلها، فينقذ حسام الخائف الذي يهدد أسرته وأهل الحارة، وينقذ فتاة الثانوية العامة التي تفكر في الانتحار، والأم التي تفكر في الانتحار بسبب مئات الضغوط الحياتية التي تتعرض لها الأمهات من رعاية أولاد وتدريبات ودروس وتمرينات وتجهيز طعام وغسيل ومذاكرة غيرها من المهام، ثم ينقذ سيدة عجوز هجرها ابنها، وهكذا يحاول المخرج إسلام إمام صاحب الفكرة والمخرج من خلال أقلام أحمد الملواني ومحمد زناتي تقديم أكبر قدر من أزماتنا وتقديم الحلول لها.
يشارك سامح حسين وسمر، أبطال مسرحية “عامل قلق” مصطفى سعيد، محمد مبروك يوركا، وفاء سليمان، عماد عبد المجيد، طارق دياب، مصطفى سعيد، وباسم سليمان، محمد صفاء، حامد الزناتي، رامي حازم، حسن علي، محمد مصطفى تيكا، نورهان عشوش، سما نصر الدين، سهيلة الأنور، منة عاطف، ومن إنتاج الفرقة القومية للموسيقى الشعبية بقيادة الفنانة لبنى الشيخ مدير عام الفرقة.