بقلم: ✍ أحمد رفاعي آدم
(* كاتب وأديب)
(* كاتب وأديب)
لماذا تقدم الغرب وتأخرنا؟..بل لماذا يصر الغرب على التقدم بينما يصر الكثيرون منا على التقهقر حتى اتسعت الفجوة بيننا وبينهم؟ ما السبب الرئيسي وراء ثِقَل حركتنا وبطء خطوتنا؟
يبدو أننا عطَّلنا ما كان عُطله كارثة! وتنازلنا عما كان التنازل عنه فاجعة! وغيبنا ما وجبت يقظته وحضوره فكانت خسارتنا فادحة!
عن العقل أتحدث. العقل، وما أدراك ما العقل! جوهر الإنسان وأجلُّ نعمةٍ أنعم الله بها عليه، نعمةٌ منحته شرف خلافة الله في أرضه، وكرَّمته ورفعته فوق سائر المخلوقات.
فإذا امتازت الحيوانات بقواتها الجسدية فقد تغلب هو عليها بعقله وأخضعها لسلطانه بنفوذ فكره. إنه العقل .. ذلك الميزان المثالي الذي يميز الإنسان به بين الخير والشر، وبين النافع والضار، وذلك السراج المنير الذي يهتدي به إلى خالق الكون ويدرك أسرار الخلق وجلال الخالق.
ومن هنا وصفه حُجة الإسلام الغزالي بأنه (أنموذج من نور الله) كما وصفه الجاحظ بأنه (وكيل الله عند الإنسان).
لكن واسفاه! هل قدرنا تلك الأمانة وراعيناها حق رعايتها؟ لقد تنازل كثير من الناس في زماننا عن إنسانيتهم. تنازلوا بمحض إرادتهم وبكامل “غياب قواهم” العقلية. حدث ذلك حين جنبوا عقولهم وأعلنوا صراحةً أنهم من مناصري عدم استخدامها.
ليس ذلك فحسب بل إن بعضهم تمادى فغيَّبَ العقل تماماً وأعطاه أجازةً مفتوحة متنازلاً عن كل ما له من حقوق في حكمته وذاته وإنسانيته. فكيف حدث ذلك؟! حدث التنازل مرةً حين أدمن الإنسان المخدرات ورضي أن يعيش ذليلاً للكيف فغيَّبَ العقل وعطَّله تماماً حتى انحط بآدميته لدرجةٍ أقل من الحيوان، فقتل والديه وزنى بمحارمه وجحد بربه وارتكب كل الأخطاء الممكنة والغير ممكنة.
وحدث التنازل مرةً أخرى حين سلَّم عقله لغيره وأجَّره لمن ينوب عنه في التفكير والتحليل فملأه له بالأفكار المغلوطة والمبادئ المعكوسة والقناعات الملوثة فتحول بين عشية وضحاها إلى مجرم كاره لوطنه مخرب لأملاكه محارب لأهله لا لشيء إلا لأن من احتلوا عقله أمروه بذلك. وحدث التنازل مرةً ثالثةً حين وقع الإنسان فريسةً للفن الهابط والتمثيل الفاسد، فقضى الساعات الطوال أمام أعمال درامية هدامة للقيم والأخلاق والتقاليد، تُصورُ البطلَ بلطجياً عاشقاً للدماء ليصبحَ “أسطورةً” بين البشر، وتُبرِزُ البطلة متحررة لا ترعى في سبيل تحقيق ذاتها المزيف أُماً ولا أباً ولا زوجاً فتكون “قادرة” على التحدي، حتى لو كان ذلك التحدي وهماً أو تقليداً أعمى ليس إلا.
وحدثت ولا تزال تحدث تنازلات أخرى كثيرة ما تعاقب الليل والنهار. كلها تنازلات عن الإنسانية، عن الأخلاق، عن الجوهر، عن النفخة التي هي من روح الله، (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)، عن العقل الذي هو وكيل الله عند الإنسان كما قال الجاحظ. أيها السيدات والسادة، فلنحترم عقولنا و لنحافظ عليها وأبداً لا نتنازل عنها فإنها ثروتنا القومية وميراثنا الحقيقي.
إنها أصلنا وأصالتنا. لنُعمِل عقولنا ولنحسن استخدامها حتى لا يضيع النشء فالوطن في حاجة ماسة لأبنائه. غذوا عقولكم بالفكر والثقافة والأدب الراقي تجدوه خيراً في حياتكم وحياة ذويكم.
ويا أيها الشباب، حافظوا على عقولكم نظيفةً نقية ولا تمسوها بسوء، لا تلوثوها ولا تغيبوها ولا تتنازلوا عنها، لا تلوثوها بفكرٍ فاسد، ولا تغيبوها بمخدرٍ قاتل، ولا تتنازلوا عنها لمن يملأها لكم كذباً وتلفيقاً وتزويراً، فإن العقل النابه من أعظم نعم الله عليكم.
أيها الناس، أفيقوا يرحمكم الله.!!