إذا كلفت خاطرك بتأمل ترتيب أندية الدورى العام الممتاز في كرة القدم، فلعلك تستعيد توقعي للصورة التي سينتهي إليها، إن لم نعالج الارتباك – لا يحضرني تعبير آخر – الذي أحدثه توالي صعود فرق الشركات بإنفاقاتها الهائلة – من ميزانيات الإعلان طبعًا! – لا لمجرد المشاركة في نشاط رياضي، أو الاكتفاء بالبقاء في الدوري، وإنما للمنافسة على الصدارة..
وليه لأ، مادامت الميزانية تتيح شراء أغلى اللاعبين، وتوفير الإمكانيات المادية التي تتيح المنافسة على المراكز المتقدمة؟
المفروض أن يكون النشاط الرياضي جزءًا من النشاط الاجتماعي للنادي الذي يتبع جماعة أهلية، أو مؤسسة حكومية، أو تابعة للقطاع الخاص.
الاختلاف الذي يسهل تبينه هو جماهيرية الفرق التي حققت شعبيتها على مدى عقود طويلة. فلها جمهورها الذي يدفع من جنيهات قوته– بدافع الانتماء – للتنقل بين الملاعب، استهدافًا للتشجيع.
هل كنت تتصور أن يحصل الإسماعيلي على ترتيبه الحالي؟ وهل الإخفاقات التي يفاجأ بها جمهور المصري مردها ضعف الجهاز الفني؟ وهل تحولت عبارة سيد البلد إلى لبانة يلوكها جمهور الاتحاد السكندري دون أن يعي معناها؟ وهل قنع بالبقاء في دوري الظل أندية المنصورة والمنيا ودمنهور وبلدية المحلة وأسيوط والشرقية وبني سويف؟
أسهل الاتهامات عندما نصف المدرب بأنه عجوز، عليه أن يستريح ويريح، أو شاب لم يكتسب الخبرة الكافية، أو صفات أخرى تغضبها هزيمة الفريق، مجرد الهزيمة، بصرف النظر عن قواة أدائه لمباراة أو العكس.
التعلل بضعف الإمكانيات لم يكن واردًا قبل أن تتحول اللعبة الشعبية الأولى إلى وسيلة إعلانية للشركات التي هجرت الدوري الخاص بها، وأصرت على ركوب الدرجة الممتازة في قطار الدوري. ولأن عدد المقاعد محدود، فإن على الأندية الشعبية أن تقنع بالسبنسة!
كم تأثرت من كلمات االمديح والثناء التي خص بها جمهور الاتحاد السكندري – على صفحات التواصل الاجتماعي – معلق مباريات الدوري جلال علام، لأنه ساوى – في تعليقه – بين بيراميدز والاتحاد. تصرف يغيب – للأسف – عن الإعلام، بداية من المناقشات التي تقدم لمباريات أندية محددة، وتذيلها بتحليلات مطولة، تتحول إلى مكلمة لا يعنيها التقييم، بقدر ما يشغلها الإرضاء.
صلرت القاعدة استثناء يستلزم التحية!
ولا يخلو من دلالة أن المعلق الأهم في قناة رياضية يشغل الآن منصب نائب الرئيس في ناد بالدوري الممتاز، تابع لإحدى الشركات!
أخطر ما تعانيه الفرق الشعبية أنها مصدر تفريخ للقطبين الزمالك والأهلي، يلتقطان ما أثمرته من مواهب لافتة، وتستضيفهم على دكة الاحتياطي، أو تعيرهم، ربما لأنديتهم الأصلية، تحولت عملية انتقال اللاعبين من ناد لناد آخر إلى فرز أول وثاني.. و”نقاضة”، وهو ما قد تحصل عليه الفرق الشعبية، بتصور أنها ستحسن تقديم اللاعب في صورة جديدة!
ربما تلحظ أن القائمة شبه الثابتة، عبر السنوات الفائتة وحتى الآن، تشي بالانحياز والتشكك، بل إنك تستطيع أن تخمن – لسنوات قادمة – أسماء فرق الممقدمة، من الأول إلى الثالث على وجه التحديد، ثم الفرق التى اعتادت منطقة الوسط لا تطمح في الحصول على بطولة، وتستنكر فكرة النزول إلى دوري المجاهيل.. والتعبير لشيخنا الراحل نجيب المستكاوي.
قد يخفت – أو يغيب – صوت الميديا عند الفرق الشعبية، لكنها تظل محفزًا للمنافسة الحقيقية، قوامها جماهير محبة لأنديتها، مع تحفظي على تحول صفحات الفيس بوك – أحيانًا – إلى منابر نقدية كروية، كل صفحة تدين وتشتم وتطالب – بلا سبب موضوعي – بتبديل المنظومة الكروية من ألفها إلى يائها.
أتابع وسائل الاتصال الاجتماعي. التحذيرات واضحة من أن ينتهي الدوري إلى أندية الشركات، إلى جانب الأهلي والزمالك. حفظت الكلمات بقراءتها – مكررة – في العديد من المداخلات. من يملك المال هو الذي يملك إملاء القرار.
ذلك – بالطبع – سر دعوة قطاع من جمهور الكرة إلى مقاطعة القنوات الكروية، ودعوة قطاع آخر إلى إنشاء قناة جديدة تساهم في تمويلها الأندية الشعبية.
أذكرك –حين كانت الجماهيرية متاحة للمباريات، وبأسعار تناسب الجميع – بخلو المدرجات في لقاءات الأندية غير الشعبية، بينما تضيق المدرجات في لقاءات القطبين وأندية الإسماعيلي والمصري البور سعيدي والاتحاد السكندري، وقبلها – أذكرك – المنيا والسويس والمنصورة وشبين الكوم وغيرها.
أخشى لو أن اتحاد كرة القدم ظل على تجاهله للمشكلة، فسيتوالى التبديل والإحلال. أندية شركات تصعد إلى الدوري الممتاز لتبقى إلى جانب الأهلي والزمالك، زائد النادي الذي قفز ببراشوت نادي ” أسيوط” ليشكل ترتيبًا متقدمًا في قائمة الدوري.
ولغياب المكانة الجماهيرية عن بيراميدز، وحتى يلامس مكانة القطبين الكبيرين، فقد لجأ إلى تحفيز أعداد من محبي الكرة –رووا ما حدث في قناة تليفزيونية! – على مساندة الفريق في مبارياته،لقاء مكافآت سخية، بمعنى أنه إذا غاب المشجعون فإن المال يجتذبهم!
وسلم لي على شعبية كرة القدم!