»» الدرسة تفند رؤي وإدعاءات المستشرق الألماني “يوليوس” فلهاوزن، وتعمد تشويه حقائق التاريخ.
»» أسس “فلهاوزن” لفكر داعش والخصومة الحادة ،متجاهلا وسطية وتسامح المنهج الإسلامي الراشد
عرض وتلخيص ✍️ د.خالد محسن
»»»
يحتفي المسلمون اليوم في كل بقاع الدنيا بيوم عاشوراء ،وتعود رمزية هذا الذكري الطيبة لانتصار الحق علي الباطل ونجاة سيدنا موسى من بطش فرعون وأتباعه،كما تتزامن مع ذكري الإحتفاء بيوم المسلمون ذكري استشهاد الامام الحسين ، وثباته علي المبادئ ودفاعه عن القيم ، أما ما يفعله بعض المسلمين الشيعة من لطم الخدود ،وشق الجيوب وتمزيق الثياب فهو من قبيل الخرافات والبدع التي تسيء لصورة الإسلام السمحة وسموه ووسطيته التي تعتز بآل البيت الكرام نسل النبي صلي الله عليه وسلم، وترفض كل ما يجافي العقل والمنطق والاعتدال..
واحتفاء بهذه الذكري تعرض منصة ” المساء أون لاين” لدراسة علمية للدكتورة صابرين زغلول..والتي تفند فيها إدعاءات ومغالطات المستشرقين في حق آل البيت ،وتبرير استخدام العنف والتأسيس لفكرة داعش والتطرف والخصومة الحادة البعيدة عن منهج الاسلام الوسطي والذي جاء مؤسسا لفكرة التعايش والتسامح ،وتعزيز مفهوم السلام والخير والحق والعدل والرحمة للعالمين.
ونعرض في هذه السطور ملخصا لاهم ما جاء في الدراسة.
………………
»» الدراسة تدعم مقترح الإمام أحمد الطيب لعقد مائدة حوار بين السنة والشيعة، من أجلِ إقرار الوحدة والتَّقارُب
»» وتدعو لتعزيز الأُخوَّة الدينيَّة والإنسانية، لنبذ أسباب الفُرقة والفتنة والتصدي لمثل هذه المغالطات والفريات في حق آل البيت
………………
محبة آل بيت
في مقدمة الدراسة تقول الباحثة: تعد محبة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من صميم عقيدة المسلم ،وصلاته حيث تأتي صلاة المسلم كاملة بالصلاة على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آل محمد عليهم جميعا السلام
فقد اصطفاهم الله عز وجل من فوق سبع سموات وطهرهم تطهيرا ، وتنزّلت آيات الله تعالى تؤكد طهارتهم، وقداستهم، ومكانتهم السامية،: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).
كما تواترت أحاديث النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ووصاياه، تشيد بالمكانة السامية التي يحظون بها لا سيما سبطيه الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام
قال (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحسن والحسين (عليهما السلام): «هما ريحانتاي من الدُّنيا».
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): “الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنّة” وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهما: “هذان ابناي، فمن أحبّهما فقد أحبّني، ومَن أبغضهما فقد أبغضني” وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) فيهما: “اللّهُمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما”.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الإمام الحسين “حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله مَن أحبّ حسيناً”.
و من حقوق آل البيت علينا نصرتهم وإكرامهم والذب عنهم سواء الأحياء منهم والأموات.
وحول مغالطات المستشرقين في حق آل البيت ،لا سيما الإمام تقول الباحثة:
يعد الاستشراق أحد أهم القضايا المثيرة للجدل في الساحة الإسلامية والعربية ، لاسيما بعد أن وجه المستشرقون أهدافهم إلى الدين ، فقد كان الإسلام موضع اهتمام للغرب عبر حقب التاريخ المختلفة ، وصولا إلى وقتنا الحالي ؛ إذ استهدف المستشرقون الإسلام من جميع الجهات؛ وفقا لأهدافهم الخاصة ومستواهم العقلي ، فمنهم من امتلك قدرا كبيرا من القيم الأخلاقية ؛ فأظهروا رغبة صادقة محايدة في المعرفة والاحترام الحقيقي لشعوب الشرق ، يصل أحيانا إلى التبجيل ؛ فأنصفوا الإسلام ورسوله الكريم ؛ فجاءت كتاباتهم موضوعية ، تجاه التعاليم الإسلامية ، ومنهم من كان خطابه الاستشراقي؛ ينبع من أجندة مؤدلجة لمشروع ممول لهدم الإسلام وتاريخه، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، متعمدين أو غير متعمدين؛ ليحلوا محلها تغريبا، ينشر من خلاله القيم والمبادئ الغربية ؛ لطمس الهوية الإسلامية والعربية ؛ فجاءت كتاباتهم مليئة بكثير من الشطحات والتفسيرات، التي لا تستند على وقائع ثابتة ، أو روايات موثقة ؛ فأصبحوا تابعين ووكلاء لسياسات الإمبريالية الغربية؛ لتنفيذ خططهم، وبث دسائسهم وسمومهم باسم البحث العلمي والمعرفة وحرية النقد.
وتري الباحثة أن كتابات المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن ( 1844- 1918) Julius Wellhausen, أنموذجا وأحد الأسلحة المأجورة التي لها دورٌ كبيرٌ في نشر الشبهات ، والمغالطات الكاذبة، كنوع من الحرب الباردة؛ بخلط الأوراق على الناس لتزييف الحقائق، وإشاعة المفاهيم المغلوطة، والعمل على انتشارها ؛ حيث حاول سبر أغوار ثورة الإمام الحسين (عليه السلام )؛ ليجعلها مدخلا لنشر ادعاءته ، وفرياته ، فكان لاستشهاده وصحبه (عليهم جميعا السلام) في كربلاء؛ أحد المحاور المهمة، التي طرقت أبواب منظومته الاستشراقية .
وأشارت د. صابرين إلي أن “فلهاوزن” حاول أن ينتقص من مكانته وثورته المقدسة ؛ من خلال مصادر وروايات وأحاديث؛ تثبت وجهة نظره أحادية الجانب ؛ وفقًا لما يريد إثباته، وما أعده من نتائج مسبقة، وهو مصادرة على المطلوب ؛ فادعى عددا من الشبهات المحملة بالمغالطات .
ويعرض البحث للمغالطات المنطقية الممنهجة ،التي تخللت كتابات فلهاوزن ؛ من أجل الطعن في آل البيت والإمام الحسين ( عليهم جميعا السلام )، وحاولت الكاتبة في هذا المقال حصر هذه المغالطات؛ من خلال موقف فلهاوزن من مأساة كربلاء واستشهاد الإمام عليه السلام.
*مغالطة تجاهل القضية*
عرض فلهاوزن لمأساة كربلاء، و استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ،عرضاً لا يخلو من التحريف كعادته، ولكن تحريفه هذه المرة كان تحريفا معنويا، وهو أكثر أنواع التحريفات خطورة على ذهن القارئ؛ نظرًا لأنه يحرف روح الشيء ومغزاه ، فيبعد به عن واقعه الحقيقي .
فيكتب فلهاوزن عن مأساة كربلاء ، متجاهلاً روح القضية ودوافعها ؛ مما يوقعه -من جديد- في العديد من المغالطات الأخرى، التي حاول من خلالها طمس معالم الجريمة النكراء ، وتجاهل سمات القيادة الملهمة، التي اتسم بها الإمام الحسين (عليه السلام).
كما تجاهل المستشرق الألماني الصورة الحقيقية لمأساة كربلاء التي تعرض لها الإمام ؛ فيحاول تمييع القضية بأحداث أكثر برودة ،مما كانت عليها المأساة الحقيقية متعمداً مغالطة تجاهل المطلوب ( الحيد عن المسألة).
وتعلق الباحثة : إن كل عقل مستيقظ، وكل من له دين وملة ،لا يمكن أن يستوعب أو يتقبل بشاعة ما حدث في كربلاء ، إلا أن فلهاوزن مَرَّ مرور الخبثاء على بشاعة الحادث وما تعرض له الإمام عليه السلام قبل مقتله وبعده.
وتابعت: إن مأساة كربلاء هي أشنع ، وأبشع جريمة قتل، يمكن أن يرتكبها شخص ما ، ومع ذلك لم تحرك هذه الجريمة النكراء ساكناً “لفلهاوزن” ؛ إذ أخذ يستكمل كتاباته بعد كل هذه الفظائع المتتالية، والجرم الثابت في حق بني أمية ، (لصالحهم )، وكأنه لا يدري جرائمهم – في حق آل البيت – شيئاً ، متبعًا مبدأ اللاأدرية Agnosticism، في الأمور التي يريد تجاهلها، وهو أمر اتبعه توماس هنري هكسلي.
تغيير صورة التاريخ
وأضافت الباحثة : وبعد أن طوع فلهاوزن نصوصه ؛ من أجل الخروج من حادث كربلاء اللعين ، بأفضل الصور للأمويين ،قام بتغيير صورة التاريخ الذي يثبت مساوئ وبشاعة الجرائم التي ارتكبها الأمويون ؛ وذلك عن طريق استراتيجية ممنهجة ، من خلال رؤيتين متقابلتن، الأولى لصالح الأمويين ؛ لتحسين صورتهم وتلميعها ، وفيها وقع فلهاوزن في مغالطة التحيز للمعتقد الشخصي.
والثانية التشكيك في صفات الإمام وأهدافه ، وفيها وقع في مغالطة تسميم البئر.
١– مغالطة التحيز للمعتقد الشخصي Bias Personal Belief :
لم يكتف فلهاوزن بإعطاء ظهره للأحداث والمأساة التي يندى منها ضمير البشرية ، بل يستكمل فجاجته ، بعد مقتل الحسين.
وهنا يقف فلهاوزن موقف مدرسة الشك المذهبي التي تتوقف عن الحكم ، لا لغرض إلا للعبثية المفرطة التي لا طائل من ورائها ؛ كما هو الحال في عبثية فلهاوزن وانحيازه للأمويين ، بلا مبرر ، فقام باختزال الفظائع والجرائم التي ارتكبها الأمويون،في مجرد سرد تاريخي ، تبعاً لمعتقداته الشخصية ، ورتب نصوصاً؛ من شأنها أن تعمل على تحسين صورة الأمويين وأتباعهم.
٢- مغالطة تسميم البئر: وعنها تقول الباحثة :
بعد أن قام “فلهاوزن” بتلميع صورة الأمويين للقراء ، انتهج منهجاً مضادا ؛ من أجل تعتيم الصورة المقدسة للإمام الحسين (عليه السلام) ، وإلصاق ما ليس به من صفات وأفعال ؛ فنراه يكتب عن الإمام (عليه السلام) بأنه “موضوع الأحاديث العديدة، وهـو يـعـظ غـيره ويعظ نفسه، فليس بعجب أن تكون خاتمته هكذا .
هنا يجهر “فلهوزن” بعدائه للحسين (عليه السلام) ، وتحيزه للأمويين، وكأنه يقول ( إن ما حدث للحسين عليه السلام؛ هو جزاء له على رفضه البيعة للأمويين )، وهذا تأكيد لما ورد من قبل في إنصافه لشمر؛ عندما برَّر له موقفه وفعلته بالتنكيل بالإمام الحسين(عليه السلام) ، وهذا انتهاك صريح ، يقترفه فلهاوزن في حق الإمام خاصة ، وفي حقوق الإنسان بصفة عامة؛ من حيث تبريره للعنف ، لا لشيء إلا لخدمة أهدافه ومصالحه في الانتصار لبني أمية.
كذلك يظهر فلهوزن انتهاكه لحقوق الإمام؛ بعقد مقارنه مفتعلة بين مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، وبين مقتل عثمان بن عفان ؛ لا لشيء إلا كونه خليفة أموي ، فيصف مقتل الإمام الحسين (عليه السلام ) بأنه قطعة مسرحية انفعالية (ميلو دراما)، في حين يصف مقتل الخليفة عثمان بن عفان بأنه مأساة.
نتائج الدراسة
وتخلص د.صابرين من بحثها لمجموعة من النتائج الآتية :
أولا : درس “فلهاوزن” أحداث الثورة الحسينية المباركة دراسة سطحية ، وهي عادة معظم المستشرقين ، الذين ينصبون العداء للإسلام ، فبدأ بأيدلوجية مسبقة، هدفها الانتصار
لأيدولوجبة مسبقة على حساب آل البيت والإمام الحسين (عليهم جميعا السلام) ؛ فانتهج منهج الكذب والبهتان الذي لا دليل عليه؛ في محاولة جادة منه؛ لتشويه سير آل البيت والإمام الحسين (عليهم جميعا السلام) ؛ حتى يقضي على القدوات والعظماء الذين يعتز بتاريخهم، وبجهادهم في سبيل الله والدعوة إلى دينه، كل مسلم.
– ثانيا : أسس “فلهوزن” لمبدأ العنف ،وظهور الجماعات الإرهابية (مثل داعش ) ؛ بتبريره قطع رأس الإمام الحسين وأصحابه (عليهم جميعا السلام )، بالتماسه الأعذار للأمويين ، وبالأخص شمر بن جوشن، ويزيد بن معاوية، منبعي الإرهاب.
– ثالثا : لم يفهم “فلهاوزن” النتائج التي صحبت استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء ، ففي الوقت الذي حاول فيه دعاة الفتنة قتله؛ لإثارة الرعب في كل أرض المسلمين ؛ جاءت النتيجة عكس ذلك تماما ؛ إذ تم تشجيع المسلمين أكثر على الوقوف ضد الإرهاب، واتباع الطريق الصحيح، الذي يمثله آل بيت الرسول الكريم ،وهكذا نجح الإمام الحسين (عليه السلام) في إحياء أواصر المجتمع الإسلامي .
– رابعا : لم يفهم فلهاوزن، أن انتفاضة الإمام الحسين (عليه السلام)، قامت على أفعال إلهية، ودوافع إنسانية ، ولكنها في الوقت نفسه، تأسست على الظروف الاجتماعية والسياسية، التي كانت سائدة في تلك الأيام، على الرغم من أن أعمال الإمام الحسين (عليه السلام) ربما لم تكن معجزة ، فإنه لا يمكن أن يقوم بها أي شخص، باستثناء سيد الشهداء .
– خامسا : لا توجد ثورة في تاريخ العالم، مثل ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هزت العالم، وأعطت المجد للحقيقة، وخلقت الكرامة للإنسان ، فجميع أجزائها ، مليئة بالدروس الخالدة؛ فيما يتعلق بالإيمان الراسخ الذي لا يُهزم أبدًا، والسمو الذي لا يُهان أبدا ؛ ثورة بدأت عصرا حديثا لشعوب العالم، ومجتمعات الأرض.
ودعت الباحثة أبناء الأمّة الواحدة أن يقفوا صفّا واحدا من أجل تحقيق العزّة والمناعة.
وتدعم ما اقترحه الإمام أحمد الطيب من عقد مائدة حوار (إسلامي إسلامي) بين السنة والشيعة ، من أجلِ إقرار الوحدة والتَّقارُب والتَّعارف، ومن أجل تعزيز الأُخوَّة الدينيَّة والإنسانية، لنبذ أسباب الفُرقة والفتنة والنِّزاع الطَّائفي على وجْهِ الخصوص، ويُركَّز فيه على نقاطِ الاتِّفاق والتَّلاقي ، لاسيما محبة آل البيت عليهم جميعا السلام وللتصدي معا لمثل هذه المغالطات والفريات التي تنسب لآل البيت عليهم جميعا السلام.