✍️ الأديب أحمد رفاعي آدم
رأيتُ أثناء رحلتي في ربوع مصر ما أنطق الجمال في عيني وأسكت ذهني المشغول بأسباب العيش ومسئوليات الحياة، فصرفتُ نفسي إلى التأمل وطرحتُ على أعتاب الطبيعة فكري فإذا بها تَرِقُّ لي وتأنسُ بموقفي وتهبُني كتاب عجائبها ومعجزاتها أطالع فيه وأنسخ من صفحاته بعض اللقطات الجميلة لأبرزها في إطار الإعجاب وأعرضها في سوق حب الوطن. ذلك الوطن الذي آمنتُ بفضائله منذ ميلادي فإذا يقيني يخلق جماله خلقاً جديداً وينفخ فيه روحاً ويسكب الحياة في عروقه وأوتاره فأراه بشكل أروع وأبادله مشاعر أسمى وأنفع. وقد عرضنا في المقالين السابقين اللقطتين الأولى والثانية للصحراء والنيل، والآن لنشاهد اللقطة الثالثة من ريف مصر الجميل.
من شباك الميكروباص رحت أطالع الغيطان المترامية على ضفاف الترعة وسحرتني البيوت المتراصة على الجانب الآخر للطريق ببساطتها وبراحها. و تساءلت كيف يشعر ساكنيها وهم محاطون بهذه الطبيعة التي لا تكلف فيها. بيت واسع وترعة كبيرة وغيطان فسيحة وسماء بلا حدود. ما الذي ينقص الإنسان بعد ذلك؟ هنا في الريف تجد البساطة والجمال في أبهي الحُلل. في نظري الشخصي: هناك علاقة طردية إيجابية وطيدة بين البراح والسعادة، بين البساطة واللاضغوط، بين الزرع والقناعة، بين البيوت المنخفضة والنفسية العالية المستقرة!!
فالريف المصري جميل في كل شيء وأجمل ما فيه البكور، وفي البكور برَكَة وسعة رزق وسكينة نفس.
يستيقظ الفلاحون مبكراً ليبدأوا يومهم بعد صلاة الفجر. غالباً توقظهم الفطرة السليمة، فطرة الأجساد التي ضُبِطت ساعاتها البيولوجية على نمط طبيعي يناسب الحياة الريفية الكادحة. لا يوقظهم رنين المنبهات وإنما صوت النهار! وما صوت النهار الفتي إلا صوت الحركة والنشاط وال “حي على الفلاح”، صوت الأقدام الراسخة فوق أرض الأجداد ساعيةً مع أولى خيوط الشمس الذهبية إلى غيطانها ومزارعها ومحال أعمالها، صوت وسائل المواصلات الريفية الحيَّة (الدواب) تنقل سائقيها الرحماء إلى حيث السعي وراء الخير .. ما آمنها من وسائل نقل! هل سمعت عن حادث تصادم حمارين أو بغلتين خلَّف وفيات وأشلاء؟! مستحيل. أكاد أسمعك تقول: “هو عصر السرعة!” ولكن ماذا صنعنا بالسرعة أو بالأحرى ماذا صنعت بنا السرعة؟! قصَّرَت المسافات؟ يجوز .. ولكنها حرمتنا الاستمتاع بالطبيعة وقذفتنا بساعات من الفراغ والملل والتكرار السقيم!! وفَّرت الجهد؟! بالتأكيد .. لكنه استُغِلَّ في النوم أو التنويم أو الاستنوام “على وزن الاستغفال”! لا أقول: لنحرق السيارات والقطارات والطائرات فإنها مقومات إيجابية للحضارة، ولكن لنتريث وننظر قليلاً في حالنا، وخير الأمور الوسط. مثلاً لا داعي لأقود -أنا شخصياً- سيارتي لأبلغ السوبرماركت القابع في آخر الشارع!! سأحاول أن أمشي أكثر .
صباح الطيور الزرقاء
فوق أغصان الشجر،
صباح طيور الماء
تسبح من دون خطر،
صباح الحقول الخضراء
تمتد على مرمى البصر،
صباح الجبال الشامخات ترسم عزاً
تعكسه شمس الضحى
من غير ضيقٍ أو ضجر،
صباح أنوار الصباح
بيضاء تزهو كالقمر،
صباح الطبيعة تزوي بين أحضانها
نقاء الحياة قبل أن يلوثه البشر.