بقلم الأديب: أحمد رفاعي آدم
———————–
قال الإمام الشافعي:
سافرْ تجِدْ عوضاً عمن تفارقه … وانْصَبْ فإن لذيذ العيش في النَّصب
إني رأيتُ ركودَ الماءِ يفسده … إن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
لا شك أن في السفر فوائد جَمَّة ومشاهد حية ولقطات خلابة تدعو للتأمل وإثارة الخيال. وإذا كنت في مصر الحبيبة فإن متعتك تكون أكبر وأثرها يصبح أدوم، فمصر بلد جميل وطبيعتها الأزلية أجمل. كيف لا وهي النيل والزروع والصحاري والبحار، وهي الربوع المترامية والأقطار العامرة، وهي الشعب الأصيل وذكريات الزمن الجميل. هي الشجر والحجر والنهر والبحر واللين والشدة والماضي السحيق والحاضر النابه والمستقبل الطموح. مصر أم الحضارات وبنت النيل وأخت الطبيعة. وأمام هذه المعطيات وفي حضرة تلك الملامح تُؤخَذُ اللقطات البيضاء.
ولقطة اليوم من صحراء مصر، وبالتحديد خط الصعيد الصحرواي بدءاً من الجيزة المثيرة وانتهاءً بسوهاج الرزينة. إنها الصحراء وما أدراك ما الصحراء .. الطبيعةُ الأصيلةُ الضاربةُ في القِدَم، والغربةُ الآمنةُ في أحضان الوطن. رمال الذهب وصخور العنفوان. الجبال الشامخة والتلال الحانية والسهول البريئة. حين ترى الصحراء بصفرتها اللامحدودة وتنغمس في جوها المتفرد فإن حواسك تتخدر بنشوة العزلة اللذيذة، وحين يلمس جسدَك عبيرُ نسيمها الليلي البارد تتيقظ كل رغباتك على حردٍ وتتنبه جميع حواسك عن عمد.
إنها الصحراء .. الأرض الغالية والعِرض الذي لا تفريط فيه. معركة الصمود واسترداد الحقوق ودماء الشهداء. كل حبة رمل فيها تذكر النابهين بنجاعة حمل السلاح والمرابطة في سبيل الله دفاعاً عن الوطن العزيز الغالي.
لقد رأيتُ في الصحراء المجهولَ الآمن والغموضَ المعلوم. رأيت حلقات الوصل بين المدن والمحافظات المصرية تربط حدودها وتؤلف بين أطرافها وترسم -جنباً إلى جنب مع خطوط التماس الخضراء في الغيطان- أجمل لوحة للطبيعة حيث يمتزج أصفر رملها بأخضر حقول أطرافها وأزرق سمائها الواسعة وأبيض سحب نهارها. إنها لوحة الدهر الساحرة.
إن صحراءَ مصر مدرسةٌ عملية تعلم أوثق الدروس. تعلمك نباتاتها الشحيحة أن الحياة تتطلب صلابة وانهماكاً لا هوادة فيه من أجل النجاح وتحقيق الأهداف، وتعلمك مساحاتها الشاسعة أن الهموم مهما كبرت فهي صغيرة وأن الإنسان -لكي يجتاز الصعاب- عليه بالصبر وطولِ النَفَس. أما تباين تضاريسها من قِممٍ جبليةٍ وسهولٍ رملية ووديان وأخاديد فتخبرُك أن الاختلاف رحمة وأن مُلكَ اللهِ واسع وكذلك تصاريفه وأقداره. إنها -أي الصحراء- خير معلم وأخبر حكيم، ويكفي من دروسها درس الحنين وموضوع الألفة إذ لا يمكن أن تغادرَها إلا وفيك حنينٌ كبيرٌ لبيتك وأهلك وأصدقائك، أمر غريب أن تحن في فراغها إلى شوارع مدينتك وأن تشتاق في عزلتها لكل معارفك و دفء علاقاتك، ورغم كل ذلك يبقى حَبْلُكَ بها موصولاً لا ينقطع. إنها -يا سادة- صحراء مصر ولا فخر.
بارك الله في صحرائك يا مصر 🇪🇬 وأيقظ قدرات أبنائك ليَحْدُوا إبلَ الكفاح فيطرحوا العَمارَ في قلبها وجنباتها الأزلية.
حفظ الله مصر وأدام أمنها.