———————-
بقلم الأديب: أحمد رفاعي آدم
لا شك في أن جزءا كبيرا من الأزمة الاجتماعية الراهنة يعود إلى انحطاط الذوق وتدني الاخلاق. وهناك شبه إجماع على ذلك. ففساد المجتمع نتيجة حتمية لخراب نفوس أفراده وسلبيتهم وفساد طبائعهم. والعكس صحيح، حيث يرقى المجتمع وينصلح حال أفراده إذا حسنت التربية وسمت الأخلاق وقويت شوكة المبادئ.
وحالياً تبقى العقبة الرئيسية والمعضلة الكبرى أمام أي محاولة إصلاح هي القابلية للانحطاط والاستعداد الرهيب لدى بعض الأفراد لارتكاب الأخطاء دون وازع أو رادع. تلك القابلية التي تُصَّعِب المهمة وتكاد تجعلها مستحيلة. قل ما شِئتَ وانصح كيفما بدا لك لن تجد إلا آذاناً من طين وأخرى من عجين ما لم تعالج ذلك المرض وتستأصل ورمه الخبيث من العقول السقيمة.
إن أجيالاً تتربى عن بعد لخليقٌ بها أن تعاني وأن تسبب لغيرها المعاناة. وإن شباباً يستقي معلوماته ومبادئه من الانترنت دون مُوجِه أو رقيب لخليقٌ بشخصيته أن تتعقد وأن تتناقض وأن تتشرب قيماً غريبةً ومبادئ منافية لتعاليمنا تحتاج لجهود جبارة في تطهيرها. أي تأثيرٍ يُرتَجى في شخصيات شباب وفتيات قدواتهم من غير ثقافتنا وديننا وعلى غير شاكلتنا؟ وأي تهذيب يُنتَظر لأفراد بعقول مخدرة أو مغيبة؟
المسئولية كبيرة على عاتق الآباء والأمهات والمعلمين والقادة والمسؤولين، ولكن المبادرة للحل في صالحنا، وأي تعطل أو تعطيل سيزيد الطين بلة. لقد حدثت فجوة عميقة وشرخ كبير بين جيل مضى وجيل أتى. جيل تربى على بعض الأصول والعادات السليمة قبل فترة الانحلال والتسيب التي أحدثتها فترة ثورات الربيع العربي وجيل خرج ليجد نفسه تائهاً في بحر لجي من الثورات تتلاطمه أمواجه الهائجة بأحداثها المربكة والغير مفهومة بالنسبة له، فتربى على مفاهيم مغلوطة لمعاني الشجاعة والحرية والاحترام. فالشجاعة أخذ ما لي وما ليس لي بقوة السنج والمطاوي، والحرية أن أفعل ما يحلو لي في أي وقت وأي مكان دون مراعاة لأحد، والاحترام فقط لمن يوافق على تصرفاتي ويقبل أفعالي دون أن يحاسبني. في نظري – كان الجاني الأول على التائهين من شباب اليوم هو التسيب الذي ساد تلك الفترة المربكة من تاريخ مصر. ولكن ما هي الحلول المطروحة للخروج بهذا الجيل من ذلك المأزق؟.
أولاً لابد من تجسير الفجوة بين الأجيال ورأب الصدع بين الآباء والأبناء. التربية صعبة وكلنا يعلم ذلك ولكنها واجب ومسئولية لا مناص منها. فكما يقول النبي صلى الله عليه وسلم “كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته”. وعليه، يجب أن تكون الخطوة الأولى من جانب الآباء فهم الأعقل والأكثر اتزاناً والأجدر أن يعلموا الحقوق والواجبات. لا عذر لأمٍ أو أبٍ تنازل عن دوره كموجه ورقيب ومعين ومسهل. أيها الآباء، اقتربوا من أبنائكم و املأوا قلوبكم رحمةً عليهم واشرحوا صدوركم تجاههم فهم أحوج ما يكونون ليدٍ حانية وعقل مفكر وقلبٍ مهتم ويدين مرفوعتين دوماً بالدعاء.
ثانياً من الضروري تصحيح المسار القيمي والأخلاقي لجيل اليوم قبل فوات الأوان. إنها الاهتمامات والميول كما تقرها الدراسات النفسية التي تحدد شخصية الطفل وترسم طبائعه في أكثر الأحيان. فماذا لو عدلنا الاهتمامات التافهة وقومنا الميول المائلة؟ إذاً لانصلح حال شبابنا و فتياتنا في كثير من الأمور ولتبدلت القابلية للانحطاط رفعةً وعلواً في شتى جوانب شخصياتهم وعلاقاتهم.
وأخيراً لابد من ولوج الأجيال حديثها وقديمها لبوابة الثقافة والعلم بشتى أنواعهما دينياً وعلمياً وفلسفةً وفكراً وفناً. فإن العلم نور وما أحوج المجتمع لثقافة منضبطة متزنة تحول بين أفراده وبين الانحطاط وتنهض بهم ليرتقوا.