الجمعة في العاشرة إلا خمس دقائق، اتصلت به لأدعوه للمشاركة في ندوة نقدية فطلب مني الانتظار حتى منتصف أغسطس لأنه يستعد للذهاب إلى دمياط، وبعدها سيكون منشغلاً في المهرجان القومي للمسرح.
سألني عن آخر كتبي بطريقته المحببة: وإيه اخر إبداعاتك.
قلت له إنني أعمل على نص عن المعتمد بن عباد، وحين ذكرت له نصي الذئب التائه قال: إنه هو الذي حكم مسابقة اتحاد الكتاب التي فاز بها النص، فطلبت منه التقرير فوعدني بالبحث عن المسودة لأنه سلم النسخة النهائية لمسؤول المسابقة، وطلب مني الصبر لأنها ستكون وسط الأضابير والأوراق وستحتاج إلى نبش.
داعبته قائلاً: “النصوص الثلاثة التي فازت بجوائز حضرتك حكمتها لي” ضحك وهو يقول: “ألا تنوي أن تكتب دراما للتلفزيون” تذكرت نصيحته في 2012 في حفل تكريمي في دار التحرير في مسابقة المساء الأدبية، أغلقنا على وعد بترتيب موعد بعد انفضاض المشاغل.. لكن..
ظهر اليوم التالي تلقيت خبر وفاته.. ومعه استرجعت لحظات كثيرة جمعت بيننا، أجملها حين كنا نشاهد عرضه رجل القلعة الذي يحكي مأساة محمد علي، وتعليقه لي بعد العرض الذي أقيم في الغورية فيما أذكر: “لقد خدعه الفرنسيون الذين اعتمد عليهم” وسرت خلف محمد علي لأكتشف مقولة بالمرستون الإنجليزي الذي بادر بمهاجمته، وحين سئل عن سبب ثقته قال: “حاربنا رجل لا يقف وراءه شعبه” لاحقًا قرأت أعماله الكاملة المشحونة بالهم المصري والعربي.
فيما بعد قرأت عن رفض لجنة في المسرح القومي عرض مسرحيته “الحادثة اللي جرت في شهر سبتمبر” متعللة بالخطابية وسيادة خطابات غير درامية، وحين عدت لقراءة النص وجدتني مشدوهًا بالحبكة الدرامية وكثرة حلولها؛ وحين كتبت مقالي عنها سلمته للقاهرة لتنشر في القاهرة في أثناء رئاسته لتحريرها، وحين ذهبت لأسأل عن نشره، وجدت أن صلاح عيسى ترك توصية بأن أدخل له، وقال لي: المقال كبير، اجلس هنا اختصره، فشكرته وأنا أستأذن: “لست سعد زغلول يا ريس” وحين استفسر، أكملت” “كان يقول عقب كل خطبة أعتذر عن الإطالة لأنه لا وقت لي للإيجاز”.
بعدها بفترة أرسلته لصحيفة مسرحنا – حين كانت مسرحنا – فنشرها رئيس التحرير كاملة، وبعد سنوات قال لي محمد أبو العلا السلاموني إنه ممتن لهذا المقال؛ فقلت له: الشكر لحضرتك لأنني تعلمت من هذا النص، وذكرته بسؤال الطبيب النفسي للبطل: كيف سقط أبناؤه الأمريكيون في فخ الجماعات وهم مثقفون؛ فرد البطل: “هم متعلمون لا مثقفون” فضحك ضحكته الصافية: “حتى هذه التقطتها”.
امتاز مسرح السلاموني بقدرته على تفكيك الحدث بشكل بانورامي دون ذكر معلومة أو مفردة غير ضرورية، كان يضع أمامه القارئ والمشاهد، وأذكر رده على مذيع سأله عن موقفه من التجريب وموضات المسرح الجديد: “تجريب لمين والمشاهد ظروفه زي ما احنا شايفين، كله لازم يخدم عنهالمشاهد ويراعي ظروفه”
رحم الله الأستاذ، والحمد لله أنني هاتفته قبل رحيله بأقل من يوم؛ وأنه لم يكن متألمًا ولا متعبًا، وصدق الشاعر:
وَالمَوْتُ نَقَّاٌد عَلى كَفِّهِ … جَواهِرٌ يَخْتارُ مِنْها الجِيادْ