![](https://almessa.gomhuriaonline.com/wp-content/uploads/2023/12/406587146_7609084529121274_8436411699024030712_n-222x300.jpg)
بقلم : د. مروة عادل عوض
إن الناظر لهذه الدراسة والاحرى الفلسفة المنهجية النقدية، يعتقد للوهلة الأولى انها دراسة نظرية بحتة تستعرض كل النظريات والفلسفات النقدية، من خلال علم الاجتماع، وليس لها علاقة بالواقع من قريب او بعيد، ولكن يذهب بنا الكاتب العالم الدكتور حسن البيلاوى، في هذا الكتاب” الإثنوجرافيا النقدية.. في علم اجتماع المدرسة” إلى عالم الواقع الخاص بنا فى مرحلة من اهم مراحل حياتنا وحياة كل فرد من المجمتع وهى مرحلة المدرسة بكل معطياتها وتقابلاتها وتفاعلاتها ولغتها، ومراكز القوى والنفوذ والرموز، وتأثيراتها الداخلية والخارجية، بطريقة سردية علمية ومنهجية مبهرة، مع عرض تسلسلى منهجى متدرج لجميع النظريات والأبحاث الميدانية والعلماء الذين قاموا بمنجهة الواقع ووضعه فى افكار ونظريات، تحاول فهم الواقع الميدانى والسلوك الانسانى وتفاعلاتهم من خلال المدرسة، وتفنيد ونقد تلك المناهج والنظريات وملاءمتها لتطورات الواقع المدرسى وفهم وقائع الحياة اليومية داخل المدرسة وما بداخلها من بنى ثقافية ومعرفية وتفاعلات يومية تشكل ثقافة المدرسة مع التاكيد على ان تلك الاتجاهات والنظريات انطلقت من الإيمان بقدرة الذات الإنسانية على الفهم والإدراك من خلال تفاعلها مع البيئة المحيطة وقدرة الفرد على الفعل وقابلية الواقع الاجتماعى للتغيير وإمكانية خلق واقع افضل استنادا إلى استخدام المناهج الكيفية والإثنوجرافيا الملائمة لمنطلقاتهم الابستمولوجية.
استعرض الكاتب تاريخ الإثنوجرافيا النقدية التى ظهرت مع مطلع ١٩٧٠ وانها كانت وليدة التفاعلات الفكرية النقدية، وما نتج عنها من حراك فكرى ارتبط بالتيار النقدى داخل هذه الاتجاهات
واكد الكاتب على إن رسالة المدرسة هى تعليم جميع التلاميذ فى مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية والفنون والآداب، وذلك بما يمكن افراد المجتمع من إدارة التغيير الاجتماعى من خلال رؤى عقلانية واضحة ومنضبطة تستند إلى المعرفة العلمية
ثم استعرض الكاتب منهج البحث العلمى بشكل عام، والخصائص المشتركة مثل الملاحظة والمشاركة والمقابلات العميقة والمشاركة فى الانخراط الكامل فى الانشطة موضوع الدراسة. وهذا المنهج وتلك الخصائص تتيح للباحث أن يكون قريبا من الواقع الذى يدرسه والحصول على معلومات ومعارف وبيانات جديدة ومباشرة عن هذا الواقع.
ثم يشرح الكاتب الكثير من المناهج البحثية المهتمة بعلم الاجتماع، وكيف مهدت الطريق لخروج مصطلح ” إثنوجرافيا” وهو بحث كيفى يقوم على الوصف الكثيف عن قرب لثقافة فرد او جماعة معينة، او ما تشتمل عليه ثقافاتهم من مدركات ومعان ومنظورات لكيفية تعاملهم فى حياتهم اليومية وداخل مؤسساتهم الطبيعية.
والدراسة الحالية تحاول تقديم مدخل كيفى مسلحا بالنظرية النقدية وصولا إلى إثنوجرافيا نقدية قادرة على الربط بين تحليلات الظواهر الكبيرة والصغيرة، وقادرة على مساعدتنا فى دراسة وفهم سيسولوجية المدرسة المصرية، والتى رسخت فى رؤوسنا افكارا ومعان عن اشياء وادوارا لا نسأل عنها بل نقبلها قبولا ونسلم بها تسليما مثل : الامتحانات . التفوق . التقويم . الذكاء . التحصيل . المعلم الكفء . التلميذ الجيد . الإدارة . المدرسين . التلاميذ . اولياء الامور . كل تلك المعانى طرح الكاتب كيفية مناقشة معان تلك المفردات التى تشكل بتفاعلاتها الحياة اليومية المدرسية
وطرح الكاتب تساؤلات اخرى هامة بمثابة ثورة فكرية على الواقع الراكد منذ عقود وسط بحيرة متحركة ومتصرفة وتتأثر بكل حادث وجديد تنتج شخصيات لها تاثيراتها وتفاعلاتها، مثل كيف تنشا وتتكون سماتها وماحقيقتها ومن المسئول عن إنتاجها. وقدم ظواهر مثل التحايل والنفاق والفهلوة وأكد، من وجهة نظره، إنه ربما تكون المدرسة بسبب رسالتها الخفية هى المسئولة عن استمرار بعض هذه الظواهر فى المجتمع بما تخلقه من شخصيات التلاميذ.
وقدم الكاتب الدليل المنهجى فى التعامل مع تلك الظواهر والشخصيات ودراستها والوصول إلى كيفية التعامل معها وهى عدم النظر للتلاميذ من ذوى تلك الظواهر بأنهم مقاومون ينتمون إلى شرائح اجتماعية ذات ثقافة فرعية امتدت إلى المدرسة وكيفية التعامل مع اشكال الهيمنة الثقافية التى تفرضها المدرسة بنوع من المقاومة والرفض على طريقتها . وتطرق الكاتب إلى موضوع هام فى علاقة التلميذ بالمدرسة وهو موضوع اللغة حيث تلعب مفرداتها فى الخطاب اليومى دورا كبيرا فى تشكيل التنظيمات والبنى الاجتماعية
إن هذه الدراسة هى منهج فريد يحب اعتماده لكل مراكز البحوث الميدانية وخاصة الاجتماعية، كما انها تقوم بتشريح بحثى ونظرى وعملى وواقعى لعالم المدرسة بشكل عام، و المدرسة المصرية بشكل خاص، ويطرح أسئلة هامة ويقدم نظريات منهجيه هامة فى هذا المجال كما يقدم اجوبة الاخطاء التاريخية والاجتماعية فى عالم المدرسة وشرح ظواهرها وشخصياتها وشرح مفرداتها ومعانيها. انها منهج متكامل يجب ان تعتمد عليه جميع المؤسسات المعنية والمسئولة عن عوالم التربية والتعليم.