بقلم ✍️ د.خالد محسن
دمار وفناء أم إعمار وإستدامة ..صداقة بيئية فاعلة أو عداء مطلق لمقدرات البشر..مستقبل مشرق لأجيال الغد، أم أفق غامض يشي بأزمات اقتصادية واجتماعية وصحية أممية، لا حدود لها..
وهكذا يقف العالم علي مفترق الطرق لاتخاذ قرارات وتوصيات وتعهدات فاعلة قبيل انتهاء فعاليات Cop27 والتي تحتضنها مدينة السلام “شرم الشيخ” ،ومعها تداعب الأفئدة أطياف الحلم الأخضر نحو عالم أفضل.
إنها إشكالية وجودية أممية تؤرق أهل المعمورة شرقا وغربا وفي انتظار كلمة الحسم والتنفيذ
،وإنطلاقة مغايرة من أرض المحروسة منبع الحضارة والأمل.
إنها المعضلة البيئية التي تتفاقم يوما بعد يوم وتتطلع شعوب الدنيا أن تنقشع هذه الغيمة حالكة السواد، وهذا الكابوس المفزع الذي يهدد أحياء الأرض والبيئة الطبيعية وما عليها !.
وتتعالي صرخات ما بقي من حكماء وعقلاء العالم ، يوما بعد يوم، بضرورة وضع حد للتداعيات المظلمة للتغيرات المناخية، وعلي رأسها ظاهرة الانبعاثات الكربونية وتزايد درجة حرارة الأرض ،التي تجاوزت كل الحدود الآمنة.
كما تزايدت تحذيرات الأمم المتحدة بكافة منظماتها من مغبة التهاون تجاه الهدر البيئي وتجاهل مطالبات الخبراء ، بالتوسع في توظيف الطاقة المتجددة النظيفة ،وخفض الاعتماد علي الوقود الأحفوري ،وإيجاد حلول عملية لوقف جموح الصناعة الكثيفة،وأن تضطلع الدول الصناعية الكبري بمسؤوليتها تجاه أوجاع كوكب الأرض التي تهدد بإفناء الأخضر واليابس.
المختصون يطلبون بتقليل البصمة الكربونية وتخفيض حجم الانبعاثات لما يقترب من 10%، للمحافظة على الحدود الآمنة،وتجنب الارتفاع المتزايد في درجة حرارة الأرض،ووقف العدوان المتصاعد علي كافة المقدرات البيئية،وإجراء المزيد من قياسات الأثر البيئي للمشروعات الجديدة،لتجنب الآثار السلبية المتصاعدة.
وقد رسب العالم بأسره في إختبار حماية البيئة الانسان مرارا ،في زمن التحضر الزائف والصراعات المتزايدة ،والمناطحات الصناعية والسياسية وحروب الهيمنة علي الموارد الطبيعية والعدوان الجائر علي البيئة الجريحة!.
ووفقا للمراصد البيئية فقد خسرت البيئة الإنسانية خلال السبعين عاما الأخيرة ما يزيد عن 50% من خصائصها الطبيعية ،وظهر الفساد والإفساد جليا في البر والبحر بمعدلات مطردة فاقت كل التوقعات والتقديرات!.
وستظل المعضلة البيئية هي حكاية اليوم والأمس والغد، فقبل ما يزيد عن خمسين عاما ، بدأ الاهتمام الدولي بمشكلات البيئة والانبعاثات الكربونية ،وعلي الجانب الآخر قفزت السياسات التصنيعية للسيطرة علي الأسواق العالمية وتضاعف الاهتمام بزيادة الإنتاج ،وبطبيعة الحال تزايد الاعتماد على الوقود الأحفوري بكافة صوره لاستزاف الدول المنتجة للبترول ومشتقاته،وتقليل الاحتياطي الاستراتيجي، والإيفاء بحاجة الدول الصناعية الكبري للطاقة.
وفي عام 1972 اجتمع أكثر في مؤتمر تبليسي بجمهورية جورجيا في مؤتمر “نحو عالم واحد” للاتفاق علي مشروعات أممية ،وإقرار شرائع من شأنها العمل الدولي الموحد للعمل الجاد للتغلب على كافة المشكلات البيئية وإقرار مفاهيم التنمية المستدامة.
ثم تتابعت المؤتمرات البيئية والمناخية والندوات وورش العمل الدولية تحت رعاية منظمات الأمم المتحدة المعنية بهذه القضية المحورية ولعل من أشهرها مؤتمر ريو دي جانيرو 1992 ،وماتبعه من محاولات يائسة للحد من الانبعاثات الكربونية وصولا لمؤتمر باريس 2015 وقمة جلاسكو COP26 العام الماضي.
وقد ذهبت تعهدات قادة العالم لحماية البيئة الطبيعية هباء منثورا،
وحتي كتابة هذه السطور تمارس الدول الصناعية الكبري الإزدواجية في التعاطي مع المسألة البيئية الشائكة فهي المسؤول الأول عن حجم الانبعاثات، لكنها تقدم رجلا وتؤخر أخري فيما يتعلق بتحمل تكلفة هذه التجاوزات وتوفير التمويل اللازم لدعم مشروعات الاستدامة البيئية بالدول النامية والصاعقة للنمو، للتعافي التدريجي من تداعيات التغيرات المناخية المؤلمة ، فقد تعهدت هذه الدول بتوفير 100 مليار دولار لهذه الغرض ،ولكن شيئا لم يحدث!.
وجاءت جائحة كورونا ثم أزمات العالم في الغذاء والطاقة وتعطل سلاسل الإمداد بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية علي قائمة المبررات لتأخر الإلتزام بتوصيات اتفاقية باريس.
وتبقي الإرادة الصادقة لتنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية السابقة ،والتي أقرتها قمم المناخ السابقة هو السبيل لحماية كوكب الأرض من هذا الخطر الداهم.
ومن جديد تخضع دول العالم لإختبار صعب وجديد تدور فعالياته علي أرض المحروسة حيث تستضيف مصر قمة المناخ Cop 27، أو قمة الأمل الأكثر أهمية وزخما ،وتتوق إليها تتطلعات شعوب العالم في إنقاذ البيئة الطبيعية وتوفير التمويل اللازم للشروع فورا في التنفيذ،وإيجاد آلية ملزمة لدمج الأبعاد البيئية في خطط التنمية ، وتدشين المزيد من الحلول المبدعة لمواجهة وحصار تحديات وتداعيات التغيرات والأزمات.
واعتقد أن ثقافة الاستدامة البيئية أمست ضرورة عصرية وإنسانية لضمان التفاعل المسؤول مع البيئة لتجنب استنزاف الموارد الطبيعية أو تدهورها ،والسماح بجودة بيئية طويلة المدى ، حيث تساعد ممارسة الاستدامة البيئية على ضمان تلبية احتياجات سكان اليوم دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم.
كما تضمن فكرة الاستدامة الحفاظُ على نوعيةِ الحياة من خلال التأقلم مع البيئة عن طريق استغلال الموارد الطبيعية لأطول مدى زمنيٍّ ممكن يؤدّي إلى المحافظة على استمرار الحياة بخصائها وأنظمتها الطبيعية المتجددة.
والهدف الأسمى هو تجنب عواقب الإحتباس الحراري وتعظيم الإستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وحماية حقوق الأجيال القادمة وحماية البيئة والكائنات والطبيعة ، من خلال فرض “ضريبة الكربون” والسعي لتغيير سلوك المنتج والمستهلك وصناعة اتجاهات إيجابية لحماية البيئة الإنسانية.
وفي هذا السياق اتخذت مصر خطوات جادة في ضوء رؤيتها 2030،وهناك أجندة مصرية وطنية للتنمية المستدامة تؤكد على ضرورة أن يكون البُعد البيئي محوراً أساسياً في كافة القطاعات التنموية بصورة تحقق أمن الموارد الطبيعية وتدعم عدالة استخدامها والاستغلال الأمثل لها والاستثمار فيها، بما يضمن حقوق الأجيال القادمة في الحياة الكريمة ،ويعمل على تنويع مصادر الإنتاج والأنشطة الاقتصادية.
كما يسهم في دعم التنافسية، وتوفير فرص عمل جديدة، وتخفيف حدة الفقر، ويحقق عدالة اجتماعية مع توفير بيئة نظيفة وصحية وآمنة للإنسان المصري.
أتصور أن الاستدامة البيئية تتطلب تغييرا جذريا في السلوك الفردي والجماعي ،وإيقاظ الضمير الإنساني والوعي والإدراك بخطورة إهمال قضية التدهور البيئي،علاوة علي سن القوانين الداعمة،وتنمية المهارات البيئية التي تكفل التعامل الراشد مع كافة مكونات البيئة والنظام البيئي في مختلف بقاع المعمورة.
حقا إنه عالم واحد .. ومصير مشترك.. ومن بطون المآسي يولد الأمل!!