بقلم ✍️ د.خلود محمود
(مدرس الإعلام الرقمي بالمعهد العالي للدراسات الادبية بكينج مريوط والمحاضر الزائر لليونسكو)
سمة القرن الحادي والعشرين الانتحارات الاجتماعية بطرق مبتذلة باستخدام التكنولوجيا المتطورة التي لازمتها آفات كثيرة قد تهيمن علي مميزاتها خاصة في طبيعة الفرد وعلاقاته الاجتماعية ..
أما عن آفة اليوم فهي فهي الانتحار الاجتماعي بمعني أوضح البحث عن الشهرة بل عن أقصر طرقها في محاولات مستمرة من المراهقين والشباب بل وأحيانا الأطفال وانجرف معهم البالغين العاقلين للوصول إليها مهما كانت السبل والوسائل ومع السعي الدائم منهم لاستحداث طرق الشهرة الغير مألوفة استحدثوا ظاهرة أخطر ما يكون علي المجتمع أجمع أنها الانتحار الاجتماعي.
مصطلح يحمل في طياته الكثير من المعني فهو ليس انتحارا بالمعني المعتاد بل قتل كل مايحمله الفرد بداخله من قيم حياتيه ودينيه ومجتمعية تحكم معيشته وعلاقاته وتفاعلاته مع أقرانه داخل مجتمعه ولكن في مقابل ذلك ستجعله مشهوراً خلال ساعات ليست شهرة الموت بالشكل المعتاد أو ازهاق روحه ولكنها تعبير عن طريق الخروج عن المألوف والتغاضي عن الخطوط الحمراء سواء الاجتماعية أو الدينية علي حد سواء فيقدمون تغريدات أو منشورات أو فيديوهات سيئة أخلاقياً أو رسماً غير مقبولاً أو تشهير بحياة الأخرين أو تصويرهم بدون أذن أو عمل المقالب غير أخلاقية، أو الخروج بفتاوي تتعدي علي الحدود الدينية بطريقة غير مقبولة، وغيرها من الأشياء التي أصبحنا نستيقظ يومياً علي ابتكارها، فينقسم الناس بين قسمين الأول يوافق علي ذلك المحتوي فينشره ويشاركه ويعلق إيجاباً بل ويدعمه. والثاني يرفض مانشر ولكنه يشاركه وينشره أيضاً ويعلق سلباً وفي كلتا الحالتين سواء التأييد أو الرفض نحن نروج لذلك المحتوي ونحقق لصانعيه الغرض منه وهو الشهرة وإفساد ماتبقي من قيم لدي المجتمع بل ونساهم في غرس تلك الأفعال داخل الشباب والمراهقون الذين سيرون أن صانعي تلك المحتويات قد حققوا من الشهرة والمال ما يحقق لهم رفاهية العيش فيعملوا بشتي الطرق علي تقليدهم مستخدمين منصات التواصل الاجتماعي التي أحلت محل كل الوسائل الإعلامية واحتكرت المجتمع وسيطرت علي عقول أفراده ..
فالموبايل هو الصديق المقرب والأب المسيطر بل هو كل أفراد الأسرة والمجتمع دوامة تجذب الفرد إليها ولا يستطيع الفرد مقاومتها بسهولة وبغياب الرقيب والرادع عن تلك المواقع انتشار وذاع سيط مثل تلك الظاهرة ، أن سيطرة الغرور وحب الظهور عند البعض يجعلهم يقذفون بأنفسهم في مقاطع فيديو أو منشورات تضر بأنفسهم وبالمجتمع رغبةً في الحصول على بعض الشعور بالأهمية، متجاهلين بأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم -وفي بعض الظروف- سلاحا ذا حدين، ففي الماضي كان البعض يعتقد بأنها وسيلة أساسية للشهرة يمكن من خلالها أن يصبح الفرد معروفا ،وذا صيت، بالرغم من أن الشهرة تأتي عادةً من تحقيق إنجاز كبير يُؤثر في حياة الآخرين إلا أنها من خلال وسائل التواصل أصبحت تأتي من صناعة محتوي “اللاشئ” ، حتى أصبح لدينا وصف لبعض الأفراد، أنهم من (مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي) ،وكأن تلك أصبحت وصف أو مهنة أو شيئا يدعو للفخر . وكم اكتوى بعض أولئك المشاهير بنار شهرة وسائل التواصل، حتى تمنَّى أنه لم يستخدم تلك الوسائل أو لم يعرفها فحياته أصبحت كلها علناً للناس يصدرون احكاماً ويتدخلون في كل شئ ، والفرد لا يجد لنفسه فيها أي حساب ، وفي بعض الاحيان يصل الفرد من انتحار إجتماعي غرضه الشهرة بأي وسيلة وعلي حساب كل شئ إلي انتحار حقيقي أو ارتكاب جرائم في حق الآخرين دون وعي أو بوعي ، أن تكرار التعرض لمثل هذه المحتويات و الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة مكثفة، فنجد من هم غير ناضجين نفسيا يتلقفون تلك المحتويات وتترسخ في الخلفية الذهنية لديهم، وعندما يتعرضون لنفس الظروف يقلدون نفس الفعل، ونجد المجتمع يدخل في دوامة الانتحارات الاجتماعية سلوكياً وفكرياً وبدل ما أن نستخدم التكنولوجيا في تطوير ذاتنا وعقولنا ونعمل علي تغذيتها معرفياً وفكرياً ننجرف وراء تلك الظواهر التي تذهب عقولنا وتوقف تفكيرنا وتحصره في أشياء لا فائدة منها ولا نفع.