بقلم✍️ د.السامحي عبدالله
(إمام وخطيب بوزارة الأوقاف)
الحياةُ تدور بين الشدة والرخاء، وبين الضراء والسراء، والمؤمنُ في أمره كله؛ يكون بين الصبر والشكر، تلك حالُهُ التي ينبغي أن يكون عليها، والتي بَيَّنَها لنا رسولُ الله -صلي الله عليه وسلم- في قوله: “عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، وَإِنَّ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، وَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ “(رواه الإمام مسلم ).
فالدنيا لا تدوم على حال؛ والحياةُ لا تسيرُ على وتيرةٍ واحدةٍ، قال ربنا: { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن } (الرحمن: 29)، يغفرُ ذنبًا، ويفرجُ كربًا، ويرفعُ قومًا، ويضعُ آخرين، {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}(آل عمران: 140)، من فرحٍ وغمٍّ وصحةٍ وسَقَمٍ وغنىً وفقرٍ.
أجل!.. الأيام دُوَلٌ، لا يدوم مَسارُّها ولا مضارُّها، فيومٌ يحصلُ فيه الفرح والسرور، ويومٌ يحصل فيه الحزن ، فَيَوْمٌ لَنَا وَيَوْمٌ علينا ،ويومٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ وإنما كانت تلك المُدَاوَلَةُ لِيُعْلَمَ المؤمنُ مِن غيره، لذا قال ربُّ العزة في الآية المذكورة آنفًا: {وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا} (آل عمران: 140).
وفي هذا المعنى يقولُ أبو البَقاء الرُّنْدي:
هِيَ الأمُورُ كَما شَاهدتها دُولٌ
مَنْ سرَّه زمنٌ ساءتْهُ أزمانُ
يا غَافِلاً وله في الدهرِ موعظةٌ
إِنْ كنتَ في سِنَةٍ فالدهرُ يقْظانُ
وفي وقت الشدائد والأزمــــات، وفي الوقت الذي تضيقُ فيه النفسُ، وتضيقُ على الإنسان الأرضُ بما رحُبت، في ذلك الوقت يستحضرُ المؤمنُ قــولَ الله –تعالى-: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (الطلاق: 7)، ففي تلك الآية بشارةٌ عظيمةٌ، أنه كلما وُجِد عسرٌ فإنَّ اليسرَ يقارنُه ويصاحبُه.
وقد كان عمرُ- رضي الله عنه – يقول في قــول الله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} الشرح: 5-6 (، لا يغلبُ عسرٌ يُسرين، وتلك لطيفةٌ بلاغية – ذكرها أهلُ التفسير – وهي أنّ النكرةَ إذا تكررت دلت على التعدد بخلاف المعرفة.
فاصبِرْ – أيها المسلم – على نوائب الدهر، ولا تجزعْ، فتلك سُنةُ الله، وتلك إرادةُ الله، فما من إنسان إلا وفي حياته اليسر والعسر، والحلو والمرّ، والصفو والكدر، أو كما صوَّره الإمام الشافعيّ قائلًا:
الدهرُ يومانِ ذا أمنٌ وذا خَطَرُ
والعيشُ عيشانِ ذا صفْوٌ وذا كدَرُ
والفَطِنُ هو الذي يرقُبُ رحمةَ الله دومًا، ويظن بالله خيرًا، فرحمةُ الله مِن عباده قريب، قال ربُّنا: {إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}الأعراف: 56، فيجعلُ مع الضيق والشدة تفريجًا، يقول النبي صلي الله عليه وسلم: “واعلم أن النصرَ مع الصبر، وأن الفرجَ مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا “(أخرجه الإمام الترمذي).
وفي ظل الأزمات والشدائدِ والصعوبات؛ تظهرُ معادنُ الناس وتنكشف، فيا بُشرى مَن تحلّى بالإيثار! تلك الصفة الحميدة، التي تَزيدُ بها الألفةُ والمحبة، وتَزولُ بها العداوةُ والبغضاء، فما أقبحَ الأنانيةَ وحبَّ النفس؛ خاصةً في وقت الشدائد؛ قال ربُّنا : {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}الحشر: 9، ويقول النبيُّ صلي الله عليه وسلم: ” ما ءامن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ بجنبه وهو يعلم به “( أخرجه البزار والطبراني)، وفي الحديث دليلٌ على عِظِم حق الجار على جاره، وأيضًا فيه الحثُّ على التعاون.
نعم.. ما أحوجنا إلى التعاون، وإلى المؤاخاة، وإلى المؤازرة؛ قال ربُّنا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}(المائدة: 2)، ما أحوجنا إلى التعاطف والتوادِّ والتراحم فيما بيننا، فتلك صفة المؤمنين؛ قال ربُّنا: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29)، ويقول النبي – صلي الله عليه وسلم : ” الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ “(أخرجه أبوداود والترمذي).
ومن فضل الله علينا أن جعل للفرج مفاتيح، وما علينا إلا التمسكُ بها، وهو سبحانه القادرُ على كشف الضرِّ، ورفعِ البلاء، ومن تلك المفاتيح؛ تقوى الله– عز وجل –قال -سبحانه-: { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا } الطلاق: 2(، وكذلك الدعاءُ والتضرعُ إلى الله، قال –تعالى-:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرُّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السودان} النمل: 62، فينبغي للمسلم أن يُكثر من الدعاء، في السراء والضراء، في الرخاء والشدة، لقول النبي -صلي الله عليه وسلم: ” تعرَّفْ إِلَى اللهِ في الرَّخاءِ يَعرفْكَ في الشِّدة”(أخرجه الترمذي)، ويقول صلي الله عليه وسلم:” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَستَجيبَ اللهُ له عندَ الشدائدِ والكرْبِ فلْيُكثرِ الدعاءَ في الرخاء”..أخرجه الترمذي.
وخِتامًا؛ أسألُ اللهَ –تعالى– رحمةً؛ يهدي بها قلوبنا، ويفرج بها همومنا، ويحفظ بها وطننا، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.